تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
فصول ومسائل تتعلق بالمساجد
13526 مشاهدة
الفصل الرابع في تنزيه المساجد وصيانتها من الأقذار الحسية

لما كانت هذه البيوت أمكنة العبادة والتقرب إلى الله تعالى بالطاعة، ورد الأمر بصيانتها، وحفظها عن الأقذار والنجاسات والفضلات، حتى تحظى بالنظافة والحسن والجمال، وقد تقدم حديث المرأة التي كانت تقم المسجد فماتت فصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على قبرها، وقد ثبت في الصحيح عن أنس -رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه زاد مسلم في رواية: ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين [رواه البخاري ] .
ولا خلاف أن البول ونحوه من النجاسات التي تصان عنها المساجد التي تشترط طهارتها، فتصان المساجد وفرشها وما يلحق بها من رحبات وأسطحة ونحوها عن جميع النجاسات، وتطهر متى وقع فيها شيء من ذلك.
وهكذا ورد تطهيرها عن الأقذار كالنخام، والمخاط، واللعاب، والدم، والقيح ونحوها، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه، حتى رؤى ذلك في وجهه، فقام فحكه بيده، فقال: إن أحدكم إذا قام في الصلاة فإنما يناجي ربه، فإن ربه بينه وبين القبلة، فلا يبزقن أحدكم قِبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدمه. ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ثم رد بعضه على بعض فقال: أو يفعل هكذا
وفي رواية للنسائي رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نخامة في قبلة المسجد، فغضب حتى احمر وجهه، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها، وجعلت مكانه خلوقا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أحسن هذا .
وفي الصحيحين أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: إذا كان أحدكم يصلى فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى وفي رواية: فتغيظ على الناس ثم حكها، ودعا بزعفران فلطخه به .
وفي الصحيحين نحوه عن أبي سعيد الخدري ولأبي داود عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال بعد ما حكها: أَيَسُرُّ أحدكم أن يبصق في وجهه؟ فإن أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبل ربه عز وجل، والملك عن يمينه، فلا يتفل عن يمينه ولا في قبلته .. إلخ. وفي رواية لأبي داود من دخل هذا المسجد فبزق فيه أو تنخم فليحفر فليدفنه، فإن لم يفعل فليبزق في ثوبه ثم ليخرج به .
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها .
وروى الإمام أحمد والطبراني نحوه عن أبي أمامة ولأحمد وأبي يعلى عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا تنخم أحدكم في المسجد فليغيب بنخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه [ورجاله موثوقون] .
وهناك أحاديث كثيرة تدل على النهى عن البصاق والتنخم في المسجد، وفي بعضها تخصيص النهي بأن يبصق في القبلة أو عن اليمين، والإذن في البصاق عن اليسار أو تحت القدم اليسرى، ثم دلكها بالقدم، ولا شك أن البصاق والنخامة مما يستقذر في الطباع، ولذلك غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى البصاق في قبلة المسجد، حتى احمر وجهه، وسارع إلى حكه ثم لطخ مكانه بخلوق أو زعفران.
وقد علم أن المسجد إذا كان مبنيا من الطين، فحكه يسير، وأن الأرض ترابية يمكن دفن ما يقع فيها، أو إخراج ترابه المستقذر، وحيث إن المساجد في هذه الأزمنة قد أصبحت مبلطة، ومفروشة في الغالب بفرش نظيفة، تتأثر بالوسخ والقذر، ويظهر فيها أثر النخامة والدم والصديد ونحو ذلك، تعين المنع من البصاق فيها على الأرض مطلقا، سواء على الفرش أو في الحيطان، أو على البلاط، فمن بدره بصاق أو نخام فعليه أن يخرج لذلك، أو يبصق في منديل ويخرجه، أو في طرف ثوبه ويرد بعضه على بعض كما ذكر في الحديث، حتى يبقى المسجد نظيفا طيبا.
وقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة [رواه ابن ماجه عن أبي سعيد وفي إسناده لين] .
وفي السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب قال سفيان بناء المساجد في الدور يعني: في القبائل. [وإسناده صحيح] .
وعن سمرة بن جندب أنه كتب إلى بنيه: أما بعد، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا أن نصنع المساجد في ديارنا، ونصلح صنعتها ونطهرها [ رواه أبو داود وهو حديث حسن] . فيدخل في تنظيفها إزالة الأقذار عنها، وكذا الروائح الخائسة، فإنها مما تنفر المصلين، وكذا تؤذي الملائكة، وقد وودت الأحاديث في مثل ذلك.
ففي الصحيحين من حديث جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو ليعتزل مساجدنا وليقعد في بيته وفي رواية: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى بما يتأذى منه بنو آدم .
قال ابن الأثير في جامع الأصول: ليس البصل والثوم من باب الأعذار في الانقطاع عن المساجد، وإنما أمرهم بالاعتزال عقوبة لهم ونكالا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يتأذى بريحها اهـ.
ولا شك أن الصحابة لم يجعلوا أكل البصل والثوم عذرا لهم، ويتوسلوا به إلى هجر المساجد، بل فهموا النهي عن أكل هذه البقول، ولسان حالهم يقول: نترك كل شيء يحول بيننا وبين المساجد التي يتنافس بالصلاة فيها، وإن احتيج إليها أكلوها في الوقت الطويل كبعد الفجر أو بعد العشاء، بحيث يزول ريحها قبل وقت الصلاة، أو أكلوها بعد ما تطبخ ويذهب ريحها.
ويلحق بها كل ما له رائحة منتنة مؤذية كدخان التبغ والجراك، لكن لا يكون تعاطيه عذرا للمدخنين في ترك الجماعة، وإنما ينهون عن تعاطيه قرب وقت الصلاة، حتى لا يتأذى المصلون والملائكة والله أعلم.
ومما تنزه عنه المساجد الحذاء المتسخة التي تحمل قذرا أو نجاسة، أو لوثا ووسخا تتسخ بها فرش المسجد وسجاده، وأرضه النظيفة، مع العلم أنه يجوز أن يصلى بالنعال النظيفة، فقد روى أبو داود عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما [وإسناده صحيح ] .
وعن شداد بن أوس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في خفافهم ولا نعالهم [رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ] .
وفي الصحيح عن أنس أنه سئل: أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في نعليه؟ قال: نعم .
ولعل السبب كان مشقة اللبس والخلع، لحاجتهم إلى ربط الشسع والشراك، فأما في هذه الأزمنة فتوجد أحذية لا تحتاج إلى الحزام والربط، فيسهل خلعها ولبسها من قيام، فيفضل خلعها، حيث إن المساجد قد فرشت غالبا، وتتلوث بالغبار والتراب الذي لا تخلو منه الأحذية، وكذا ما يوجد في الطرق من المستنقعات والمياه العكرة، وقد هيئ غالبا للأحذية أماكن مخصصة توضع فيها إذا خلعت، مع جواز الصلاة فيها إذا تحققت نظافتها للأحاديث المذكورة.