شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
31569 مشاهدة
بيان أن من أتى بالشهادتين غير شاك فيهما لا يحجب عن الجنة

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه (شَكّ الأَعْمَشُ ) قَالَ: لَمّا كَانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ أَصَابَ النّاسَ مَجَاعَةٌ، فقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا، فَأَكَلْنَا وَادّهَنّا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: افْعَلُوا. قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلّ الظّهْرُ، وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، ثُمّ ادْعُ الله لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ، لَعَلّ الله أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ. فَدَعَا بِنِطَعٍ فَبَسَطَهُ، ثُمّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، قَالَ: فَجَعَلَ الرّجُلُ يَجِيءُ بِكَفّ ذُرَةٍ، قَالَ: وَيَجِيءُ الاَخَرُ بِكَفّ تَمْرٍ، قَالَ: وَيَجِيءُ الاَخَرُ بِكِسْرَةٍ، حَتّى اجْتَمَعَ عَلَى النّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ. قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبَرَكَةِ. ثُمّ قَالَ: خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ. قَالَ: فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتّى مَا تَرَكوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلاّ مَلأُوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا، وَفَضلَتْ فَضْلَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ، لاَ يَلْقَى الله بِهِمَا عَبْدٌ، غَيْرَ شَاكٍ، فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنّةِ .


سمعنا هذه القصة وهذه المعجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في غزوة تبوك في سنة تسع من الهجرة غزا النبي صلى الله عليه وسلم وكان معه عدد كبير، قيل: إنهم أربعون ألفا من المسلمين، غزوا لقتال الروم الذين قتلوا زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة في غزوة مؤتة، فأراد أن يغزوهم فتوجه بهذا العدد الكبير، وأقاموا في تبوك عشرين يوما.
مع طول المدة نفدت الأزواد، كانوا تزودوا ما يكفيهم مثلا نحو عشرين يوما، يعني عشرة أيام ذهابا وعشرة أيام إيابا، يعني من المدينة إلى تبوك مسيرة عشرة أيام أو قريبا منها، ولكن نفدت الأزواد والأطعمة، وأصابهم جوع وهم عدد كبير؛ أربعون ألفا، فلما أحسوا بالجوع قالوا: ائذن لنا أن ننحر الرواحل، ننحر من إبلنا ومن ركائبنا، نأكل من لحمها، وندهن من دهنها، ونتوسع بها، فأذن لهم.
ولما سمع بذلك عمر رضي الله عنه عرف أنهم إذا بدءوا في نحرها قل الظهر؛ أي قلت الرواحل التي يركبونها، وهم بحاجة إلى ركوبها؛ فيشق عليهم المشي، وحمل أزوادهم على ظهورهم، وهم عدد كبير، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر؛ أن يأمرهم بأن يجمعوا ما معهم من بقايا الزاد الذي معهم.
فأمر بنطع فبسط. النطع الذي يسمى الخوان الذي يجعل عليه الطعام ليأكلوه من جلد، وأمرهم أن يأتوا بما بقي معهم من الزاد، يجيء أحدهم ومعه كسرة من تمر بيده، ويجيء آخر ومعه تمرات في يديه، ويجيء آخر ومعه حفنة من ذرة أو حفنة من دقيق أو حفنة من دقيق الشعير فيجعلونها على ذلك النطع، فلما اجتمع عليه شيء يسير دعا النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالبركة، دعا الله ودعاه فأنزل الله فيه البركة.
ثم قال لهم: خذوا في أزوادكم فجاءوا بكل ما معهم من مزاود ومن أوعية، هذا يجيء بجرابه فيملؤه، وهذا يجيء بكيس فيملؤه، ويأخذون من ذلك ولا ينقص؛ حتى ملأوا ما معهم من الأوعية ومن الأكياس وهم أربعون ألفا، وحتى أكلوا بعد ذلك وهم قد مسهم الجوع. أكلوا من تلك الكومة، يأكل هؤلاء فيشبعون، ثم يأتي بعدهم آخرون، فأكلوا جميعا وهم أربعون ألفا، ومع ذلك بقيت بعدهم بقية.
هذه معجزة وكرامة من الله تعالى لهم، وبعد ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله يعني أنه رسول من الله، الله تعالى أجاب دعوته، فدل على أنه صادق في رسالته فبارك في ذلك الطعام القليل، فكان ذلك دليلا على أن الله تعالى هو الإله الحق، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه، وأنه صادق في رسالته؛ فيقول: هاتان الشهادتان من لقي الله تعالى بهما موقنا فإنه لا يحجب عن الجنة.
بمعنى من اعتقد أن الله تعالى هو الإله، وألهه وأطاعه وتعبد له بكل العبادات التي فيها تأله وتذلل لربه سبحانه وتعالى، وكذلك أيضا اتبع نبيه صلى الله عليه وسلم، آمن به وصدقه وأحبه وأطاعه وتأسى به في سنته، وقبل كل ما جاء في شريعته ولم يخالف أمره؛ فإنه يلقى الله تعالى موحدا مؤمنا مخلصا فيدخله الجنة، ولا شك أن هذا شرط ثقيل إلا على من أعانه الله تعالى عليه.
ووقع أيضا في هذه الغزوة معجزة أخرى وهو أنهم أصابهم الظمأ، قل الماء وكانت المسافات متباعدة، ليس في تلك المسافات مياه ولا آبار، فكادوا أن يموتوا من العطش، فدعا الله تعالى ودعا ربه فأرسل الله سحابة وهم في شدة الصيف في شدة الحر، فأصابتهم تلك السحابة وأمطرت عليهم حتى امتلأت الأرض من المياه فشربوا وسقوا إبلهم وملأوا قربهم، وكان معهم بعض المنافقين فقيل له: كيف تشك في أنه رسول الله؟ فقال ذلك المنافق: هذه سحابة مارة. نظروا وإذا هي لم تتجاوز مكان مخيمهم، ما أمطرت إلا عليهم، لا شك أن هذه من كرامات الله تعالى لرسوله وللمؤمنين.