عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
شرح القواعد الأربعة
24094 مشاهدة
الإمام ابن عبد الوهاب وجهاده في سبيل العقيدة

وقد كتب في ذلك كثيرون من المتقدمين والمتأخرين، إلى أن أخرج الله تعالى مجدد القرن الثاني عشر محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي الحنبلي رحمه الله، المولود سنة ألف ومائة وخمسة عشر، والمتوفى سنة ألف ومائتين وست للهجرة.
لما تعلم مبادئ العلوم في بلده، ثم تنقل إلى مكة وإلى المدينة وإلى العراق وإلى الشام وتزود من العلوم، تبصر بما عليه أهل زمانه في كثير من البلاد، حيث عبدوا القبور، وصرفوا لها خالص حق الله تعالى، وأشركوا الشرك الظاهر، الذي هو شرك الأولين.
ولما انتبه لذلك دعا إلى التوحيد الصحيح الذي هو حق الله على العبيد، وبين أدلته بيانا واضحا؛ فلذلك كفره وضلله القبوريون الذين فتنوا بالقبور، وسموه ضالا مضلا! ووفق الله تعالى مَنْ تابعه من أهل العلم، ووافقوا ما يقوله، وأيدوا طريقته بما كتبوه في أزمنة متفرقة، ومن بلاد بعيدة أيدوا ما قاله. ومنهم عالم صنعاء: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله لما جاءه خبر دعوة الشيخ رحمه الله أرسل إليه تلك القصيدة الدالية مطلعها قوله:
سلامي على نجد ومَنْ حَلَّ في نجدِ
وإن كان تسليمي على البعد لا يُجْدي
ويوصي فيها الريح فيقول:
قفي واسألي عن عالم حل سوحها
به يهتدي من ضلَّ عن منهج الرشدِ
محمـدٌ الـهـادي لسُنَّـة أحمـدٍ
فيا حبذا الهـادي ويا حبذا المهـدي!
لقـد سرني مَا جاءني مِنْ طريقه
وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي!
يذكر فيها أيضا البدع التي حصلت، وبالأخص فيما يتعلق بالقبور، ويذكر أنها عُبِدَتْ من دون الله فيقول:
أعـادوا بها معنى سـواع ومثله
يغوث وود بئـس ذلـك مـن وَدِّ!
وكم عقروا في سوحها من عقيرة
أُهِلِّتْ لغـير الله جهرًا على عمـد
وكـم طـائف حول القبـور مقبل
ومستلم الأركان منهـن بالأيـدي
هذا دليل على أنه لاحظ ما في بلاده وفي البلاد الأخرى من الغلو في القبور، وعبادتها من دون الله، وأن أكثر أهل ذلك الزمان عبدوا غير الله، صرفوا العبادة لهؤلاء الأموات.
ومنهم أيضا عالم في أقصى البلاد الهندية، يقال له: الملا عمران بن رضوان ساكن لنجة لما جاءته دعوة الشيخ توقف في تكفيره؛ لأن أهل زمانه -صاروا- وأهل بلاده يكفرونه؛ يكفرون الشيخ، فكتب إليه: أن أرسل إلي ملخصا عن دعوتك، وبعضا من كتبك. فأرسل إليه الشيخ كتابه: كشف الشبهات، وبعض الرسائل، وكان أهل زمانه قد نظموا قصيدة يردون بها على الشيخ وعلى دعوته، فرد عليها هذا العالم من أقصى البلاد، بقصيدة منشورة موجودة في كتاب ابن سحمان الذي سماه الضياء الشارق؛ مطلعها قوله:
جاءت قصيدتهم تـروح وتغتـدي
في سب ديـن الهاشمي المحمـدي
هذا أولها، حتى ذكر أنهم عابوه؛ عابوا الشيخ بأنه في بلاد مسيلمة فيقول فيها:
قـد عـيروه بأنـه قـد كـان في
وأبي حنيفـة دار مـن لم يسعـد
قـلنا لهـم: مـا ضَرَّ مـصرَ بأنها
كـانت لفـرعـونَ الشقيِّ الأبعـد
يقول فيها:
الشيـخ شاهـد بعـض أهل جهالة
يدعـون أصحـاب القبور الْهُمَّـدِ
تاجـا وشمسـانا ومـا ضاهاهمـا
مـن قبــة أو تـربة أو مشهــد
قالـوا لـه: يا فاجـرا يـا كافـرا
مـا ضــره قـول العـداة الحسـد
قالت قريـش قبلـه للمصـطفى
يـا ساحـرا يا كاهنـا يا معتـدي
قالـوا يـؤم المسلمـين جميعهـم
للكفر, قلـنا: ليس ذا بمـؤكــد
يعني: أبيات قوية في تفنيد شبهات أولئك المضللين، مع بعده عن البلاد، ولكن لما اتضح له الحق جَهَرَ به. ولا يزال أهل السنة يجهرون بالحق، ويقولون به، ولو خالفهم مَنْ خالفهم. ولما أظهر هذا العالم دعوته نبذه أهل بلاده، ولقبوه بالوهابي، فافتخر بذلك، وله قصيدة بائية مطبوعة مشهورة، يقول في أولها:
إن كـان تـابـع أحمـد متوهبـا
فـأنـا المـقر بأنـنـي وهـابي
أنفـي الشريك عن الإلـه فليس لي
رب سـوى الـمتفـرد الوهـاب
لا قبــة ترجــى ولا وثـن ولا
قـبر لـه سبـب مـن الأسبـاب
كـلا ولا حـجـر ولا شـجر ولا
عـين ولا نصـب مـن الأنصاب
أيضـا ولسـت مـعـلق لتميمـة
أو حـلقـة أو ودعـة أو نــاب
لرجــاء نفــع أو لدفـع بليـة
اللـه ينفعـني ويدفـع مـا بـي
إلى آخرها... يذكر فيها عقيدته.
فنقول: إن هذا دليل على أن الحق واضح، وأن من عرفه قال به. ولكن أعداء الله ينفرون عن الحق، وينفرون عن التوحيد، بما يلفقونه من الأكاذيب، وما يكتبونه من الشبهات التي يضللون بها أتباعهم.
ولهم أغراض في ذلك كثيرة، فمنها: أنهم يخشون أنهم إذا تركوا عبادة القبور يضلوا أتباعهم في نظرهم، أو يضللون أسلافهم ومشائخهم الذين كانوا على هذه الطريقة، كما قال المشركون: أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ .
وقيل: إنهم يخشون مصالح دنيوية، يخشون أن تفوت هذه المصالح، فإن كثيرا منهم لهم دخل من تلك المشاهد؛ حيث إن العامة يأتون إليها، فيلقون عندها النقود والأموال، وتكون تلك الأموال نفقات لأولئك السادة، أو لأولئك القادة، فيحصلون على أموال طائلة بسبب الجهلة الذين يتوافدون على هؤلاء الأموات وهذه المشاهد.
وقيل: لأنهم يخشون أن تبطل مكانتهم وسيادتهم؛ وذلك لأن العامة يحترمونهم، ويرفعون مكانتهم، ويقومون حولهم، ويتمسحون بهم، ويعترفون بفضلهم، فإذا تبعوا الحق سقط قدرهم عند العامة، وصاروا كسائر الناس، لا أحد يحترمهم، ولا أحد يقدرهم ويقدسهم، فتسقط مكانتهم، يعني: هذا مما خافوه. والأكثرون إنما يخشون على مصالح وجرايات يجريها لهم رؤساؤهم وسادتهم، يقولون: إذا قمتم على هذا العمل فإننا سوف نجري لكم جرايات، ونعطيكم رواتب، ونغدق عليكم الأموال، وإذا تركتم ما نحن عليه وصرتم إلى غيره قطعنا عنكم هذه المصلحة؛ فلذلك تمسكوا بهذه الأقوال -الأقوال المبتدعة- وانتشرت كتبهم -وللأسف- التي فيها دحض الحق، والتي فيها الأكاذيب، فرد عليها العلماء الأجلاء قديما وحديثا.
كان من جملة أولئك الدعاة المضللين علماء من العراق ومن الشام بل ومن مكة ومن غيرها، ومن تركيا فمن جملتهم: الشيخ زين الدحلان ألف كتابا له يمكن أنه موجود بكثرة، وسماه: الدرر السنية في الرد على الوهابية. ولما أنشئت مطبعة الحكومة في سنة ألف ومائتين وخمسين، كانت مكة في ذلك الوقت تحت ولاية الترك، صاروا يطبعون هذا الكتاب، الذي هو مليء بالأكاذيب، مشحون بها، كل سنة يطبعونه، والكتب في ذلك الوقت قليلة، ثم يفرق على الأفارقة، وعلى الأشوام، وعلى الهنود -كل سنة- يعني أكثر من خمسين سنة، وهو يفرق على هؤلاء، وإذا ذهبوا به وقرءوه، وإذا فيه هذه الفظائع في عقيدة الوهابية، وأنهم يقولون كذا ويقولون كذا وأنهم وأنهم.
انتبه له عالم هندي من أقصى بلاد الهند لما طُبِعَ فتح المجيد، وطبع بعض كتب أئمة الدعوة، وقابل ما يقول، وإذا هو بعيد عن الصواب. حج مرة -وهو محمد بشير السهسواني وقابل زين الدحلان وناقشه في هذا الكتاب، فعند ذلك قال -متمسخرا- إن كنت ذا قدرة فرد عليَّ! فقال: سوف أرد عليك. ولما رجع إلى الهند رد عليه، وَرَدُّهُ موجود، اسمه: صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان . طبع عدة مرات.
كذلك أيضا، عالم من هؤلاء المتمالئين في سوريا يقال له: يوسف النبهاني له أيضا كتاب في الرد على ابن عبد الوهاب في زيارة النبي المكرم -هذا شطر عنوانه- انتشر كتابه، وطبع عدة مرات وطعن فيه على ابن عبد الوهاب
وتطرق أيضا فطعن على ابن عبد الهادي المتقدم في.. ابن تيمية لأنه طبع له كتاب اسمه الصارم المنكي في الرد على السبكي .
وطعن أيضا على عالم عراقي وهو النعمان الألوسي لأنه طبع كتابه، أو ألف كتابه محاكمة الأحمدين ورجح ما يميل إليه ابن تيمية فلما طبع كتابه هذا الذي هو النبهاني واشتهر، كتب أحد الإخوة أحد المشايخ في جدة وهو الشيخ محمد نصيف -رحمه الله- إلى عالم في العراق، وهو محمود شكري الألوسي يطلب منه الرد على النبهاني فابتدأ رحمه الله في الرد عليه، وألف الرد في أقل من سنة.
ولما أرسله إلى محمد نصيف تبرع محمد نصيف أن يطبعه على نفقته، وطبع في مصر وقرره علماء كثيرون، ثم أعيد طبعه أيضا، واسمه: غاية الأماني في الرد على النبهاني . فبذلك نعرف أن أهل الشر لا يزالون جاهدين في أن يصدوا عن الحق.
ولما فتحت مكة المرة الأولى في سنة ألف ومائتين وثمانية عشر، لما فتحت دخلها المسلمون، ولم يقاتلوا فيها، وإنما دخلوها كمحرمين، وهرب من كان فيها من المبتدعة، وبقي أهلها فجمعوهم، وكان مفتيهم عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب
ولما جمعوهم وأخذوا يخبرونهم بما يدعون إليه، أخذ أولئك الذين من مكة يذكرون له، يقولون: إنكم تكفرون الناس من ستمائة سنة، فقال: كلا، إنكم تقولون لمن أراد أن يدخل في دينكم: اشهد أنك كنت كافرا على نفسك، فقال: كلا هذا كذب. إنكم تقولون لمن مات أبواه: اشهد على أبويك أنهما في النار! فقال: كلا، ما كنا نقول هذا. إنكم تأمرون من حج حجة الإسلام أن يعيد حجته، تقولون: إن حجتك تلك حججتها وأنت كافر! فقال: كلا، لا نقول هذا. وأشباه ذلك من هذه الشبهات.
كلما أدلوا إليه بشبهة يقول: سبحانك! هذا بهتان عظيم، ما نقول شيئا من هذا، حتى قالوا: إنكم تمنعون من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم! فامتنع من ذلك وقال: لا نقول به، بل لو أن إنسانا أفنى عمره في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأيدناه وحمدناه على ذلك.
إلى غير ذلك مما يقولونه، إنكم مشبهة، إنكم خوارج، إنكم.. إنكم....
فالحاصل أنه ألف لهم رسالة، وطبعت في كتاب اسمه: الهدية السدية، والتحفة الوهابية النجدية. في مجموعة رسائل. هذه بَيَّنَ فيها -رحمه الله- لأهل مكة ما كانوا يعتقدونه وما يدعون إليه، وأن طريقتهم إنما هي التوحيد، وإخلاص العبادة لله، والنهي عن عبادة من سواه، وبين أن ما يتعلقون به من تلك الشبهات لا دليل فيها، وأنها كلها شبهات وضلالات.
فالحاصل أنه ظهر الحق والحمد لله واستنار، ولكن -مع الأسف- لا يزال كثيرون -بعيدين وقريبين- يسيئون الظن بهذه الدعوة وبأتباعها، ويحذرون منهم، فيعتقدون أنهم أكفر من اليهود وغيرهم، حتى ذكر لنا بعض مشايخنا عن شيخ يقال له محمد البكري كان يسافر إلى الهند بعدما طبع كثيرا كتاب دحلان وينتشر هناك، فيحضر حلقة عالم عربي، يتكلم بالعربية وهو هندي، ثم يشرح لتلاميذه، فإذا انتهى من شرحه استقبل القبلة، وأخذ يدعو على ابن عبد الوهاب ويلعنه ويشتمه، ومَنْ حوله يؤمنون. فهذا البكري أراد أن يقنعه، وذلك لأنهم لا يقبلون شيئا باسم ابن عبد الوهاب فأخذ كتاب التوحيد ونزع منه الصفحة الأولى التي فيها اسمه، وقال: يا أستاذ أريد أن تقرأ هذا الكتاب، فذهب به، وقرأه في بيته، وأُعْجِبَ به، وقال: هذا كتاب قيم، عليه أنفاس الشيخ محمد بن إسماعيل البخاري ! لما قرأه وأعجب به قال: مَنْ هو صاحب هذا الكتاب؟ فعند ذلك جاء بنسخة أخرى عليها اسمه، فقال: هو هذا! فلما قرأه قال: ابن عبد الوهاب الكافر! الذي كنا نكفره؟ قال: هذه عقيدته، وهذه دعوته، إن كنت تنكرها فرد عليه، وإن كنت معجبا بها. فعند ذلك اهتدى هذا الهندي، وأخذ يدعو له بدل ما كان يدعو عليه.
أما كثيرون من تلك البلاد فإنهم ينفرون تنفيرا كبيرا عن من ينتسب إلى الوهابية في ذم، حتى ذكر أنه كان عندهم يهودي في بقالة، فجاء إليه أحدهم وقال له: صبرني، يعني أعطني دينا حتى آتيك بعد يومين، فامتنع فقال: لا أصبرك ولا أعطيك بالدين. فقال: إني إذا أنفر الناس عنك، ذهب إلى الناس وقال: إن ذلك اليهودي تحول وهابيا! فلما قاله، قالوا: برئنا منه! نبرأ إلى الله! لا نبايعه ولا نشتري منه شيئا أبدا! فانقطعوا وبقي عشرة أيام أو عشرين يوما لا يأتيه أحد يشتري منه. جاء إليه صاحبه وقال: أنا الذي نفرت الناس عنك، فقال: ردهم عليَّ وأعطيك ما تريد. فذهب إليهم وقال: إنه تحول إلى يهوديته وترك الوهابية! فرجعوا إليه، فصار لا شك أنها . لعنة! دليل على أنها أشربت قلوبهم بسبب تلك الأكاذيب التي نشرها آباؤهم، وزُيِّن لهم أنهم أكفر من اليهود.. نعوذ بالله.
الشيخ رحمه الله محمد بن عبد الوهاب كتب كتبا تتعلق بعقيدة التوحيد، جعله هو الأهم، ما ذاك إلا لأن الخلاف فيه مع أهل زمانه، أهل زمانه الذين وقعوا في هذه الشركيات، كما ذكرنا. في كتابه؛ كتاب التوحيد، هو أول ما كتب فيما يتعلق بتوحيد العبادة، حين استوفى ما يتعلق بالتوحيد، وما يقدح في التوحيد مما له صلة فيه، مع أنه جهد فردي. كذلك أيضا لما اشتهرت دعوته كتب إليه علماء تلك البلاد -كتبوا من الأحساء وكتبوا من العراق وكتبوا من الحجاز فقالوا: كيف تكفرنا؟ وكيف تجعلنا مثل المشركين الأولين؟ نحن نصوم ونصلي، ونحج البيت ونعتمره، ونؤدي الزكاة، ونؤدي النفقات، وننكح نكاح الحلال، ونحرم الزنا، ونحن نحرم المحرمات، ونقرأ القرآن، ونقرأ الأحاديث النبوية، ونشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمدا رسول الله؛ فكيف تكفرنا، وتجعلنا من المشركين الأولين؟ فأجابهم بكتابه المشهور الصغير الذي سماه:( كشف الشبهات). كشف الشبهات هذا جواب لأولئك المشركين، لَمَّا أنهم أفسدوا توحيدهم. يقول: أنتم تقولون: لا إله إلا الله، ولكنكم أفسدتم معنى لا إله إلا الله، حيث جعلتم مع الله تعالى آلهة أخرى، فلا بد أنكم تحققون معنى لا إله إلا الله.
وإلا فلا تفيدكم هذه الكلمة، وأنتم تبطلون مدلولها بعبادة غير الله. فإذا قلتم: نحن لا نعبد إلا الله، قال: بلى، تعبدون الأموات، وتعبدون الأولياء والشهداء والصالحين الذين هم أموات مدفونون، تعبدونهم من دون الله تعالى، ولكنكم ما سميتموهم آلهة، وإنما سميتموهم سادة أو أولياء أو شهداء أو شفعاء، أو نحو ذلك. والأسماء لا تغير الحقائق، فإن العبرة بالحقائق لا بالأسماء.
كذلك أيضا سميتم أفعالكم بغير اسمها الحقيقي، فسميتموها توسلا وتشفعا وتبركا وتقربا وتزلفا ومحبة، وجعلتموها؛ جعلتم ذلك دليل المحبة، ولا تنفعكم هذه الدلائل، ولا تنفعكم هذه المسميات، فإنه لا فرق بين فعلكم وفعل الأولين. فأنتم تدعونهم، وأولئك يدعونهم، وأنتم تقولون: نريد شفاعتهم، وهم كذلك يقولون: نريد شفاعتهم، وأشباه ذلك.
من قرأ كتابه الذي سماه (كشف الشبهات) وجد فيه الجواب الشافي الذي رد به ردا مقنعا، حيث ناقش أقوالهم.
ذكر لنا بعض الإخوة بعض المشايخ عن أحد العلماء- يعني الذي حدثني الشيخ عبد العزيز بن مرشد عن الشيخ صالح بن سحمان عن أبيه سحمان وكان من أهل عسير في تلك البلاد، كان هناك عالم من علمائهم يقال له: أحمد الحفظي وكان يسمع بأخبار ابن عبد الوهاب يقول: جاءه رجل من أهل هذه البلاد، فقال: ما عندك من هذا الكافر؟ يعني: ابن عبد الوهاب فقال: أنا عامي، ما أعرف شيئا إلا أني حفظت منه كلمتين، ما هي؟ قال: يقول: اعرفوا الله بأفعاله، ووحدوه بأفعالكم. فقال: رُدَّها، فردها خمس مرات، فعند ذلك تذكر هذا الشيخ الحفظي وقال: هذه مقالة عالم، هل معك شيء من كتبه؟ فأعطاه (كشف الشبهات). يقول: فقرأه في تلك الأيام أكثر من عشرين مرة، حتى عرف حقيقة ما يدعو إليه، فعند ذلك تاب من بعد ذلك، ونظم قصيدته المشهورة التي هي من باب الرجز، هي التي أولها يقول:
أحمـده محـوقـلا محسبـلا
محيعـلا محوقـلا مسبحـلا
والتي ذكر فيها دعوة الشيخ رحمه الله:
فانقسـم النـاس فمنهـم شارد
مخـاصم للـحق أو معـانـد
يعني: الذين عصوا دعوته. فالحاصل: أنه هداه الله تعالى بسبب هذه الكلمة، وبسبب هذه الرسالة. كان قد أدرك زمن الشيخ -يعني قبل وفاته- ولكن ما اهتدى إلا في آخر عمره لما كان عمره ثمانين سنة، ولما سئل بعد توبته بسنة كم عمرك؟ فقال: سنتان! كيف؟ قال: أول العمر لا أعده، لأني لست فيه بمستقيم، حمد الله تعالى على هدايته بسبب هذه الرسالة.
أما رسالته، التي هي ( ثلاثة الأصول) فألفها للعامة، وكان عامة أهل نجد قديما من عهد الشيخ ابن عبد الوهاب إلى زماننا يلقنونها العوام في المساجد مختصرة، فيقولون: من ربك؟ فيلقوننه أن يقول: ربي الله الذي رباني وربَّى جميع العالمين بنعمته. ومَنْ معبودك؟ معبودي الله، فكما خلقنا لعبادته، وأمرنا بها وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ .
لأي شيء خلقك الله؟ خلقني لعبادته. ما أول شيء فرضه الله عليك؟ بأي شيء عرفت ربك؟ ما أكبر آياته؟ وما أكبر مخلوقاته؟ ويذكرون أدلة ذلك كما هو مذكور في (ثلاثة الأصول)، إلى أن يقول: ما دينك؟ ما هو الإسلام؟ من نبيك؟ ويذكر فيها شيئا من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنها ترسخ العقيدة، مبادئ العقيدة، يعني معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، ترسخها في أذهان العامة. وأدركنا أيضا الآباء يلقنون الأطفال الذين في سن السنة الثالثة والرابعة وما بعدها معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام؛حتى ينشأ الطفل على هذه العقيدة.
ثم رسالته هذه التي هي أربعة قواعد، رسالة أيضا تتعلق بالتوحيد، تتعلق بتقرير توحيد العبادة، الذي هو إخلاص العبادة لله، وتناقش المشركين القبوريين الذين يَدْعُون الأموات من دون الله، ويبين فيها حقيقة هذه العقيدة، وحقيقة هذا التوحيد، وهي بلا شك رسالة أيضا مفيدة لمن تأملها وتدبرها. ولا شك أنها جديرة أيضا بالاهتمام كسائر كتبه.
وله أيضا -رحمه الله- كتب أخرى تتعلق بالتوحيد، منها رسالة مطبوعة في مجموعة رسائل للشيخ اسمها: مفيد المستفيد بكفر تارك التوحيد ضمنها أيضا تقرير التوحيد بأدلته، وغير ذلك.
ثم سار تلامذته وأولاده وأحفاده على منهجه وطريقته، فكتبوا رسائل كثيرة في تحقيق التوحيد، وفي مناقشة شبهات القبوريين، والضالين المضلين، وذلك لأنهم أطلعهم الله تعالى على تلك الأدلة، فضمنوها مؤلفاتهم. وكذلك أيضا لما كثر الذين في زمانهم يردون الأحاديث الصحيحة، ويتعلقون بشبهات يؤيدون بها ما يدعون إليه من عبادة الأموات ونحوه، كان لا بد من مناقشة رسائلهم، ومن الرد عليهم. وبكل حال فإنا نتواصى بأن نجد ونجتهد فيما يتعلق بتوحيد العبادة، الذي هو حق الله تعالى على العبيد، وأن نقرأ في مؤلفات الشيخ، ومؤلفات تلاميذه من أولاده وأحفاده وتلاميذهم، حتى نعرف بذلك ما تهدف إليه الشريعة الإسلامية من إثبات حق الله سبحانه وتعالى، وهو عبادته، وإخلاص الدين له، وترك الالتفات إلى غيره، أيا كان ذلك الغير.
وهذه الرسالة كنا قد شرحناها في مثل هذه الحلقات، ولكن لا مانع من أن نشرحها، مع أن معانيها ظاهرة والحمد لله، لا سيما لطلبة العلم، ولعلنا نشرحها شرحا موسعا؛ لأنه يمكن أن يشرحها الشارح في حلقة واحدة في مجلس واحد، لظهور أدلتها، وإذا أراد التوسع والاستطراد فيمكن التوسع في معانيها. ولعلنا نقتصر هذا اليوم على هذه المقدمة، والدرس الآتي صباحا إن شاء الله، نبدأ في المقدمة، في مقدمة الرسالة، وكذلك نقرأ القاعدة الأولى، وكذلك غدا بعد العصر أيضا نقرأ فيها، ثم أيضا صبح يوم الثلاثاء.