شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
درس الفجر - القواعد الأربعة
4431 مشاهدة
التوحيد شرط لقبول العبادة

بسم الله الرحمن الرحيم
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مباركا أينما كنت، وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هذه الثلاث عنوان السعادة.
اعلم -أرشدك الله لطاعته- أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته؛ فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة.
فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل، وصار صاحبه من الخالدين في النار؛ عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك؛ لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة، وهي الشرك بالله الذي قال الله تعالى فيه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه القواعد تتعلق بتقرير التوحيد، والرد على القبوريين الذين يعبدون الأموات، ويدعون أن عبادتهم ليست شركا، ولا يسمونها عبادة، وإنما يسمونها توسلا واستشفاعا وتبركا وتقربا واحتراما، ولكنها في الحقيقة عبادة؛ حيث إنهم يدعون الأموات، يهتفون بأسمائهم، يأتون إلى القبور يبنون عليها، يعتكفون عندها، يتبركون بترابها، ينادون الميت: يا ولي الله أنقذنا، انصرنا، ارزقنا، اعطنا. يقفون عنده ذليلين خاشعين متواضعين؛ وهذا هو حقيقة العبادة؛ فأصبحوا بذلك مشركين.
فهو يبين بهذه العقيدة وبهذه القواعد أنهم مشركون، وأن فعلهم هذا شرك، ويبين أهمية التوحيد، والحرص على معرفته وتحقيقه، والبعد عن الشرك حتى يصح العمل.
بدأ هذه القواعد بهذه المقدمة، يقول: أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة. دعوة طيبة من عالم مشهور، عالم مخلص للأمة دعا إلى التوحيد، ونفع الله تعالى بدعوته، ترجى إجابة هذا الدعاء لمن تابعه ولمن عمل به، توسل إلى الله بأنه هو الكريم الذي يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وبأنه رب العرش العظيم؛ أي أن من عظمته ومن جلاله وكبريائه أنه خالق كل شيء، وأنه رب كل شيء، ومن ذلك أنه رب العرش. والعرش هو المخلوق الذي خصه الله تعالى بالاستواء عليه، وجعله سقف المخلوقات، لا -يحصيه- لا يعلم قدره إلا الله.
توسل هاهنا بقوله: أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة. هكذا الدعوة الصالحة: أن يجعلك من أوليائه الذين: فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وأن يحفظك وأن يوفقك وييسر لك الأمور، وأن تكون من أوليائه في الآخرة، الذين يسعدهم ويثيبهم الثواب العظيم.
الدعوة الثانية: أن يجعلك مباركا أينما كنت كما جعل بعض أنبيائه، قال الله تعالى عن عيسى إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ إلى قوله: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ فكذلك إذا جعلك الله مباركا حصلت في أعمالك البركة، وفي علومك البركة، وفي دعوتك وفي تعليمك تحصل فيها البركة، التي هي كثرة الخير.
الدعوة الثالثة: أن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر. دعوة طيبة أيضا. الإنسان يعترف بأن ما به من نعمة فمن الله، فإذا أعطاك الله تعالى الصحة فهي نعمة عليك أن تشكر، وإذا أعطاك الأولاد فعليك أن تشكر، وإذا أصلح عملك فعليك أن تشكر، وإذا أغناك من فضله فعليك أن تشكر، وإذا شكرت فأبشر بأن الله يزيدك: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ؛ وذلك لأن العبد لا ينفك في وقت من الأوقات عن الشكر؛ لأنه دائما في نعم: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ .
وإذا ابتلي صبر أي إذا نزلت به بلية، إذا ابتلي في بدنه بمرض، إذا ابتلي مثلا بفقر أو فاقة، إذا ابتلي بشيء من أنواع الابتلاء؛ فإن عليه أن يحتسب ويصبر، قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ إلى قوله: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ .
وإذا أذنب استغفر هذه أيضا دعوة طيبة؛ وذلك لأن الإنسان يغفل ويقع منه شيء من الخطايا؛ فلذلك عليه إذا وقعت منه أية خطيئة بقلبه أو بلسانه أو بعينه أو بأذنه أو في ماله أو في ولده أو في منزله، أو مع نفسه أو مع غيره؛ بادر وتاب واستغفر.
ويعد كل غفلة ذنبا. كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر ويتوب من الغفلة، يقول: إنه ليغان على قلبي -يعني يأتيه غفلة- وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة .
فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة: الشكر والصبر والاستغفار.
اعلم أرشدك الله لطاعته هذه أيضا دعوة أخرى. أرشدك الله يعني سددك ووفقك لأن تكون من أهل طاعته، الذين يطيعونه ويتبعون ما أمر به.
أن الحنيفية التي هي ملة إبراهيم هي أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين الحنيف: هو المقبل على الله المعرض عما سواه، وقيل: الحنيف هو المائل عن الشرك قصدا إلى التوحيد.
وملة إبراهيم سماها الله تعالى الحنيفية، وسماه حنيفا: مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ؛ يعني مائلا عما كان عليه المشركون من أهل زمانه، هذه الملة يعني الطريقة والشريعة: أن تعبد الله وحده، هذا تفسيرها؛ يعني تجعل عبادتك كلها لله وحده لا شريك له.
تعبد الله وحده مخلصا له الدين أي تخلص الدين له وحده، فلا يكون في دينك ولا في عبادتك شيء لغير الله، بل عبادتك كلها لله وحده، هذا هو الإخلاص، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ .
وبذلك قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ هكذا أخبر بأنه سبحانه خلق الخلق لعبادته، الجن والإنس والملائكة وجميع المكلفين خلْق الله، وهو سبحانه خلقهم لأمر عظيم وهو أن يعبدوه. ولا بد قبل العبادة من العلم بها العلم بكيفية العبادة التي خلقوا لها؛ أن يعبدوه وحده بالعبادة التي أمرهم بها وخلقهم لها، أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين.
فإذا عرفت أن الله تعالى خلقك لعبادته، خلق جنس الخلق -الجن والإنس- لعبادته، فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ومعنى يعبدوني: يوحدوني؛ أي يفردوا ربهم سبحانه بالعبادة، لا يجعلوا معه ندا، ولا يدعون معه غيره، بل عبادتهم تكون كلها خالصة لوجه الله -عز وجل- هذا معنى العبادة، يعبدوني: أي يوحدوني ويخلصوا العبادة لي.
العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد يعني: مع إخلاصها لله كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة أي: مع الطهارة ومع سائر شروطها، الشروط التي هي: الإسلام والعقل إلى آخر ذلك، ومن جملتها الطهارة من الحدث ومن النجاسة.
فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، فإذا دخل الشرك العبادة فسدت الشرك دعوة غير الله معه، صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، فإذا دعا الإنسان ربه في حالة من الحالات، ثم دعا معه مخلوقا ميتا كالذين يدعون عبد القادر مثلا، أو يدعون معروفا الكرخي أو يدعون السيد البدوي يدعون الله ثم يدعون معه هذا المخلوق الميت؛ فإنهم قد أشركوا، قد أدخلوا في العبادة ما يفسدها.
الشرك يفسد العبادة؛ قال الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فأعمال المشركين باطلة؛ قال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا .
يقول: فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها يعني أحبط ذلك العمل، أحبط العمل: لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وصار صاحبه من الخالدين في النار لقول الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ .
عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك أي: معرفة التوحيد حتى تخلصه لله، ومعرفة الشرك حتى تبتعد عنه.
لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة، الشبكة في الأصل: هي الحبالة التي يصاد بها الصيد، فكأن إبليس وأعوانه جعلوا شبابك يصطادون بها المسلمين حتى يوقعوهم في الشرك، فإذا عرف المسلم التوحيد وعرف الشرك وابتعد عما يفسد توحيده؛ تخلص من تلك الشبكة وهي الشرك الذي قال الله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ؛يعني الذنوب التي غير الشرك تحت المشيئة، قد يغفرها الله تعالى لبعض عباده وقد يعاقب عليها، ولو كانت كبيرة كالقتل والزنا وشرب الخمر والسرقة وما أشبهها قد يغفرها الله، وأما الشرك فلا يغفره، لا يُغفر إلا بالتوبة.
فلذلك يهتم المسلم بهذه العقيدة لمعرفة التوحيد حتى يخلص توحيده، وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه.