لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
الولاء والبراء
5404 مشاهدة
الخطبة الأولى

الحمد لله العزيز الغفار، الرحيم الجبار، مكور النهار على الليل، ومكور الليل على النهار، أحمده -سبحانه- وأشكره على نعمه الغزار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى عن الشركاء والأنداد والأولاد والأصهار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي -صلى الله عليه وسلم-المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار، المهاجرين منهم والأنصار، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
عباد الله، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وتقوى الله حق تقاته: هي أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.
* وإن من تقوى الله تعالى محبة الله ومحبة أوليائه الذين اختارهم وهداهم لدينه.
* وإن من تقوى الله تعالى بغض أعدائه ومقتهم واحتقارهم، وهجرهم وإذلالهم.
* ولا شك أن هذه هي صفة المؤمنين، من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، أنهم يحبون ربهم، ويحبون من يحبه، ويوالون أولياءه، ويعادون أعداءه، فيحبون فيه، ويبغضون فيه، ويطيعونه فيما أمرهم سبحانه وتعالى.
* ولأجل ذلك حكى الله عنهم: أنهم لا يخافون في الله لومة لائم، وأنهم يحبونه ويحبهم، قال تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ وهذه الصفات انطبقت على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
* فأخبر تعالى بأنه يحبهم، وما ذاك إلا لإخلاصهم في دين الله -عز وجل- وتوحيدهم لربهم، وأنهم يحبونه؛ لأنه الذي أنعم عليهم وهداهم، والذي خلقهم وتولاهم، والذي نصرهم وآواهم، فهم يحبونه من كل قلوبهم، ويطيعونه ويعبدونه حق عبادته، ولا يخافون فيه لومة لائم، فيصدعون بكلمة الحق ويقولونها، ولو كان على أنفسهم، ويقولون الحق ولو كان مرًّا، ويعادون أعداء الله، ولو كان أقرب قريب، ويقاطعونهم ويتبرءون منهم في ذات الله سبحانه.
* ولقد أمرهم الله بأن يقاطعوا كل من عادى ربهم؛ وذلك لأن من أحب الله أبغض أعداءه ومقتهم وابتعد عنهم، وأن من أحب أعداء الله وقربهم وصدقهم ووالاهم فإنه متوعد بالوعيد الشديد، ولو لم يكن في ذلك إلا قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ .
فكل المشركين أعداء لله وأعداء للإسلام وأعداء للمسلمين، يكيدون لهم المكائد، ويضمرون لهم الحقد، ويبغضونهم ويحتقرونهم، فإن كل كافر وكل منافق بأي دين يدين به، فإنه عدو لله وعدو للإسلام، ومن كان عدوا لله وعدوا للإسلام، فإن الله تعالى عدوه، يقول الله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ .
* إذا كان الكافر عدوا لله- والله تعالى عدو له- وجب عليك أن تكون أيضا معاديا له، وإذا عاديت الكافر وجب عليك أن تقاطعه، وأن تهجره، وأن تبتعد عنه، وأن تحذره وتحذر منه، وأن تحقر من شأنه، وأن تمقته في ذات الله تعالى.
وهكذا كان صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد روي عن أبي موسى أنه استجلب كاتبا له كافرا، ثم إنه أعلم بذلك عمر -رضي الله عنه- وقال: إن لي كاتبا نصرانيا، فقال له عمر قولا شديدا، حيث قال: مالك قاتلك الله؟! أما سمعت الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ؟! فقال أبو موسى لي كتابته وله دينه، فقال عمر -رضي الله- لا تقربوهم بعد إذ أبعدهم الله، ولا تعزوهم بعد إذ أذلهم الله، ولا تحبوهم بعد إذ أبغضهم الله، ولا ترفعوهم بعد إذ وضعهم الله .
* فوقعت هذه الكلمات موقعها من الصحابة رضي الله عنهم.
* ولذلك يجب علينا أيها المسلمون أن نحذر كل الحذر من أن نقرب كافرا أيا كان كفره، أو أن نرفع مقامه، فإن ذلك معاداة لله تعالى، حيث إن ربنا -سبحانه- ربط الكفر على الموالاة، وقطع المحبة بين المؤمنين وبين الكفار، ولو كانوا أقارب، ولو كانوا إخوانا، ولو كانوا أصحابا، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ يعني: لو كانوا آباء، أو أبناء، أو أخوة، أو عشيرة، بل واجب عليك أن تهجرهم في ذات الله، وأن تمقتهم وتكرههم، وتحقر من شأنهم، فبذلك تكون صادقًا في عداوة من عاداه الله تعالى، وموالاة أولياء الله عز وجل.
* ولقد خاف المؤمنون من مثل هذه الآيات أن تنطبق عليهم، والتي فيها ذم الموالين للكفار، والتي ذم بها بعض أهل الكتاب، بقوله تعالى: تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ هكذا رتب الله سخطه، ورتب الخلود في العذاب على هذا الأمر، وما يستلزمه، أي: على كونهم اتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
* ثم يقول تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ وهكذا حكم عليهم بأن الإيمان الصحيح، والإيمان الذي يدين به المؤمنون يحول بين صاحبه وبين أن يتخذ الكافر وليا من دون المؤمنين، كما نهاهم الله بقوله تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فنهاهم عن اتخاذ الكافرين أولياء، بل لهم في ولاية المؤمن ما يكفيهم عن ولاية الكافر.
* فأما أعداء الله، والذين هم أعداء للإسلام، فلا يجوز لنا أن نحبهم، ولا نقربهم، ولا نتولاهم، ولا نخدمهم أية خدمة، مخافة أن تنطبق علينا هذه الآيات التي فيها هذا الوعيد الشديد، ونحن نعرف أنهم أعداء لديننا، وأعداء لنبينا، وأعداء لإسلامنا، وأعداء لنا، ولو أنهم أظهروا الحاجة والفاقة، ولو أظهروا النصح، ولو أظهروا الإخلاص في أعمالهم، فإنهم بكل حال لا يوثق بهم، ولا يوثق بمحبتهم.
فكم عادوا للمسلمين وكادوا لهم!!
وكم مكروا بهم وسلبوا أموالهم!!
وكم حاولوا أن يضايقوهم ويأخذوا بلادهم ويستولوا على خيراتهم!!
وكم قتلوا أبناءهم وشردوهم عن ديارهم!!
فهل يأمن المسلم كيدهم ومكرهم مع ما يظهر منهم من البغض والحقد للإسلام والمسلمين؟!!
يقول الله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ .
* وهكذا كل كافر، وكل منافق، لا يرضى عنا ولا يحبنا، ولو أظهر ما أظهر حتى ننصرف عن ديننا، وحتى يخرجنا عما نحن عليه من الدين؛ لأنهم يعرفون أن دين الإسلام هو الذي نصر أهله، وهو الذي مكن لهم، فبالإسلام وبتحقيق الإيمان تمكن المسلمون وظهروا، وظهرت قوتهم وانتشر دينهم، وبتحقيق الإسلام يا عباد الله فتح المسلمون البلاد ودوخوا العباد، وانتصروا على كل من عاداهم وخالفهم، فلما عرف ذلك أعداء الله حرصوا على أن يكيدوا للمسلمين، وأن يوقعوا بهم ما يوقعون.
· فلأجل ذلك يجب على المسلمين أن يأخذوا حذرهم، وأن يبتعدوا عنهم، وأن يبعدوهم كل البعد، وألا يوالوهم بأية موالاة، حتى يكونوا بذلك محققين لدينهم، ومحققين لعبادتهم، ومحققين لطاعة ربهم، ولطاعة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ومتبعين آثار من سلفهم من الصحابة -رضي الله عنهم- الذين هجروا آباءهم وأبناءهم وإخوانهم، وهجروا بلادهم، وتركوا البلاد والأموال والأولاد.
كل ذلك لأجل الله -سبحانه وتعالى- وهربا بدينهم، فعادوا أعداء الله، ولو كانوا أقرب قريب، ولأجل هذا نزل فيهم قول الله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
* بارك الله لي ولكم في القران العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.