القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
الجواب الفائق في الرد على مبدل الحقائق
38936 مشاهدة
أما النداء لغير الله فيرجع إلى عقيدة الداعي، والجواب عن ذلك

فقول هذا الكاتب: أما النداء لغير الله فيرجع إلى عقيدة الداعي، إن كان يعتقد فيمن يناديه أنه يضر وينفع ويعطي ويمنع من غير إذن الله فقد أشرك.


نقول: إن دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك مطلقا، سواء كان المدعو ملكا أو نبيا، أو وليا أو جنيا أو صالحا، أو شريفا أو سيدا، أو شجرا أو قبرا، أو غير ذلك، فأما إن دعا إنسانا حيا حاضرا قادرا، وطلب منه ما يقدر عليه كقوله: يا فلان اسقني، أو أطعمني، أو احملني، أو احمل رحلي، ونحو ذلك؛ فهذا جائز، وهو من الأفعال المحسوسة التي لا يزال الناس يفعلونها ويعين بعضهم بعضا على فعلها، وكذا إن قال: يا فلان ادع الله لي بالمغفرة والجنة، أو أشركني في صدقاتك أو وقفك أو دعواتك ونحوها؛ فإن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مما يثيبه الله عليه.
وهذا بخلاف ما إذا قال: اغفر ذنبي، وأدخلني الجنة، أو خذ بيدي عن النار ونحو ذلك؛ فإن هذا لا يجوز فعله مع الحي فضلا عن الميت؛ لأنه مما لا يقدر عليه إلا الله، فلا يطلب إلا منه تعالى.
فنحن نستدل بفعل الإنسان على عقيدته، فمتى رأينا شخصا وقف عند قبر إنسان معظم في نفسه، وخضع برأسه وتذلل وأهطع وأقنع وخشع، وخفض صوته وسكنت جوارحه وأحضر قلبه ولبه أعظم مما يفعل في الصلاة بين يدي ربه عز وجل، وهتف باسم ذلك المقبور، وناداه نداء من وثق منه بالعطاء، وعلق عليه الرجاء ونحو ذلك؛ فإننا لا نشك أنه -والحالة هذه- يعتقد أنه يعطيه سؤله ويدفع عنه السوء، وأنه يستطيع التصرف في أمر الله؛ ففعله هذا دليل سوء معتقده، فلا حاجة لنا أن نسأله: هل أنت تعتقد أنه يضر وينفع من غير إذن الله.
فالله تعالى ما كلفنا أن ننقب عن قلوب الناس، وإنما نأخذهم بموجب أفعالهم وأقوالهم الظاهرة، وهذا الشخص قد خالف قول الله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وقد رأينا خشوعه وتذللـه أمام هذا المخلوق الميت، وذلك هو عين العبادة كما عرفنا، فنحكم عليه بموجب فعله وقوله بأنه قد أشرك بالله وتأله سواه.
فإن الإله هو الذي تألهه القلوب وتعظمه، وتحبه وترجوه وتخافه، وتعامله بما لا يصلح إلا لله، ولو لم يسمه الفاعل إلها، ولو لم يسم فعله تألها وتعبدا؛ فإن العبرة بالحقائق وما في نفس الأمر بخلاف الأسماء، فأهل هذا الزمان لما جهلوا حقيقة العبادة والتأله والدعاء ونحوه، الذي هو من حق الله، ولم يعرفوا معانيها وأصل وضعها صرفوها لغير الله، وسموا ذلك توسلا واستشفاعا وتبركا واحتراما، وهو عين عبادة ذلك المخلوق وعين الشرك الذي توعد الله عليه بالنار وحرمان الجنة.