إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
32715 مشاهدة
باب من رفع صوته بالعلم


قال أبو عبد الله - رحمه الله تعالى- باب من رفع صوته بالعلم.
قال: حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: تخلف عنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا .


في هذا الباب من رفع صوته بالعلم الحديث يتعلق بالطهارة، ذكر الصحابي أنهم كانوا في سفر، وكانوا يتوضئون؛ إما أنهم يحملون الماء أو أنهم يتحرون أن يصلوا على ماء، فتأخر عنهم قليلا وقد أرهقهم وقت الصلاة، فلما جاء إليهم ورآهم يتوضئون وضوءا خفيفا، في بعض الروايات، أن أرجلهم لم تتبلغ بالماء وبالأخص مؤخرها -الذي يسمى العقب الذي هو فوق العرقوب-فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار، وكرر ذلك هذه فائدة علمية رفع بها صوته؛ يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يحرص على أن يعلم الناس بالفائدة التي يريد أن يبينها لهم، وأنه أيضا يكرر الفائدة مرة أو مرتين أو ثلاثا حتى يتبلغ بها الحاضرون؛ وحتى يسمعوها ويعقلوا المراد بها.
فهذا من الفوائد العلمية أفادهم حتى لا يتسرعوا في الطهارة ولا يخففوا الوضوء؛ بل يسبغون الوضوء، ففي هذا جواز رفع الصوت بالعلم إذا رأى إنسان من يخل بعبادة فإنه يرفع صوته أيها الناس: عليكم بكذا وكذا لا تتساهلوا بأمر كذا عليكم بالمحافظة على كذا فيرفع صوته حتى يسمعوه وحتى يبين لهم ما أخطئوا فيه. نعم.