إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
32694 مشاهدة
باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل


أما الباب بعده ففيه كيفية التعليم أو كيفية إجابة السائل؛ هذا الرجل أعرابي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: متى الساعة؟ والنبي -صلى الله عليه وسلم- مشتغل بمسألة يعلمها أصحابه، كان يقص على أصحابه ويحدثهم ويتكلم معهم في مسألة علمية فكره أن يقطعها بإجابة هذا الأعرابي الذي سأل بقوله: أخبرني متى الساعة؟ أو أخبرني عن الساعة ؟ الصحابة لما رأوه لم يجبه لأول مرة، قال بعضهم: يمكن أنه لم يسمع كلامه -مع أنه قد سمعه لأنه صوت به- قال آخرون: يمكن أنه سمعه ولكن كره السؤال؛ لأنه سؤال عن أمر من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله، وقال آخرون: يمكن أنه أخر الجواب.
لا شك أنه كان يكره السؤال على الأشياء الغيبية التي لا يعلمها إلا الله ولهذا لما سأله جبريل في الحديث المشهور: أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل أي لست أعلم منك أي أنا وأنت في علمها سواء أي في العلم بها متى تقع، كذلك في هذا أنه لما انتهى من حديثه الذي كان يحدث به أصحابه؛ أجاب السائل بعد ذلك فأخبره بقوله: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة، معلوم أن علم الساعة عند الله قال تعالى: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا .
وقال -تعالى- يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا يكثر سؤالهم متى الساعة؟ متى تقوم الساعة؟ علمها عند الله قال -تعالى- إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أي لا يعلمها إلا هو وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله في قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ أولها علم الساعة ومع ذلك فقد أخبر ببعض أشراطها؛ إذا وسد الأمر إلى غير أهله؛ فإن ذلك من إضاعة الأمانة، إذا ولي على المسلمين من ليس بأهل، وكان الولاة كلهم في جميع البلاد غير أكفاء للولاية وغير أهل لها فعند ذلك يقرب أن تأتي الساعة بغتة.نستمع إلى كلام البخاري.