اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
32965 مشاهدة
باب من الإيمان إحسان الجوار وإكرام الضيف

قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب من الإيمان إحسان الجوار وإكرام الضيف.
عن أبي شريح الخزاعي رضي الله تعالى عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت .


كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر بالإيمان بالله وبالإيمان باليوم الآخر، يقتصر على ركنين من أركان الإيمان، ولم يقل: من كان يؤمن بالله وبالملائكة وبالكتب وبالقدر، بل يقول: بالله واليوم الآخر. لماذا؟ لأن الإيمان بالله إذا كان ثابتا وكان صادقا فإنه ولا بد يظهر أثره على صاحبه؛ فيعبد ربه ويطيعه ويخافه ويتقيه ويبتعد عن ما حرمه عليه، ويبتعد عن الآثام وأنواع الإضرار، وذلك علامة صادقة على أنه يؤمن بالله، فإذا رأيت العبد لا يؤدي الصلوات، فقل: قل نصيبه من الإيمان بالله، ضعف يقينه، ضعف إيمانه.
وكذلك إذا رأيته لا يحب الخير، ولا يحب ذكر الله، ولا يحب أولياء الله، فإنك تعرف أنه لم يكن صادقا في إيمانه بالله؛ المؤمن بالله يعبد ربه، المؤمن بالله يخافه، المؤمن بالله يعبده ويتوكل عليه، المؤمن بالله يدعوه وحده ولا يدعو أحدا سواه، المؤمن بالله يستغيث به دون سواه، ويستعين به وحده، ويرجوه ويعتمد عليه، يتوب إليه ويستغفره، المؤمن بالله يعبده حق عبادته.
المؤمن باليوم الآخر يستعد له، فإن من صدق بأنه يبعث بعد الموت، وإن بعد الموت إما نعيم وإما عذاب، وأن بعد الموت حشر ونشر ووقوف في يوم القيامة، وطول وقوفهم، و.. للعرق فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وصدق بأنها تنصب الموازين التي توزن بها الأعمال، وصدق أيضا بأنها تنشر الصحف، وإن الإنسان يحاسب ويحاسبه ربه، فتنشر له دواوينه التي فيها أعماله، وصدق بأن الله سيدخل المؤمنين الجنة، والكافرين النار.
لو صدق بذلك كله استعد له؛ استعد لما بعد الموت، وعمل للنجاة في ذلك اليوم، فالموت سهل، الموت لا بد منه وهو هين، ولكن ماذا بعد الموت؟ بعده الحساب، وبعده الجزاء على الأعمال، فالذي يكون صادقا في إيمانه لا شك أنه يستعد لليوم الآخر، ويعمل الأعمال التي يكون بها سعيدا يرجح بها ميزانه، يؤتى بها كتابه بيمينه، والأعمال واضحة بينة؛ الأعمال الصالحة يكون بها سعيدا يبيض وجهه: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ يشرق وجهه ويسفر، يؤتى بها كتابه بيمينه: فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ أما الأعمال السيئة فهي بضد ذلك.
في هذا الحديث ثلاث خصال جعلهن النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان بالله ومن الإيمان باليوم الآخر؛ أي الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر يحمل على هذه الخصال، أولها: إكرام الجار، وثانيها: إكرام الضيف.
في بعض الروايات: من كان من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره الجار هو المجاور للإنسان في سكنه سواء كان في بيت شعر أو في بيت مدر؛ فالمجاورون الذين حوله أمامه، أو عن جانبيه أو خلفه لهم حق عليه؛ لهم أن يحسن إليهم، وأن يوصل إليهم الخير، وأن يدلهم على ما فيه خير وما فيه صالح، وأن يرشدهم، وأن يوصل إليهم خيره، ويكف عنهم شره.
في بعض الروايات: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ؛ أي بأي نوع من الأذى حتى برفع الصوت الذي يقلقه، والذي يتأذى به، أو بالتطلع في داره والنظر إلى عوراته من خلال الأبواب، أو من خلال النوافذ، أو من فوق السطوح؛ فإن ذلك من الأذى الذي يتأذى به الجار، ولا يحب أن يصل إليه شيء من الأذى، فإيصال الأذى يكون منقصا للإيمان.
والكلام على ما يتعلق بالجوار كثير ومعروف، وقد أورد ابن كثير رحمه الله أحاديث كثيرة في تفسير قوله تعالى في سورة النساء: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ومنها حديث بأن الجيران ثلاثة: جار له حق، وجار له حقان، وجار له ثلاث حقوق؛ فالجار الذي له ثلاثة حقوق هو القريب؛ يعني قريب لك؛ فله حق الإسلام وله حق الجوار وله حق القرابة إلى آخره.
أما الضيف فهو الذي ينزل بصاحب البيت، مسافر طرق أهل بيت ونزل عندهم، فحقه أن يكرموه جائزته؛ جائزة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته، قالوا وما جائزته؟ قال: يومه وليلته –أي غداءه وعشاءه- ثم قال: والضيافة ثلاثة أيام وما زاد عليها فهو صدقة، ثم قال: ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه .
فالضيافة من مكارم الأخلاق. قال الله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ وقال: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ذكروا أن إبراهيم عليه السلام كان يعرض نفسه لأن يطرقه الأضياف فيكرمهم، ويقدم إليهم ما تيسر لديه، كما في هذه الآية: فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ فهذا يعتبر ضيافة.
لكن ذكروا أن المدن الكبيرة لا يحتاج فيها إلى ضيافة؛ وذلك لأن الذي يقصدها يجد أماكن ينزل فيها، فيأكل في المطاعم، أو ينزل في الفنادق فلا يحتاج إلى أن يقصد إنسانا لا يعرفه، ويقول: أنا ضيفك، فأما في القرى فإنه يستحيي أن ينصب له قدرا أمام أهل القرية وهم ينظرون إليه؛ فلأجل ذلك ينزل عند أحدهم، ومن نزل عنده فإن عليه أن يكرمه جائزته.
وأما الخصلة الثالثة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليسكت ؛ تأديب كريم من النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يحمله إيمانه على أن يتكلم بخير، أو يسكت عن الشر، فلا يتكلم بشر إما إذا تكلم تكلم بخير؛ الخير إما نصيحة وإرشاد وتوجيه وتذكير ووعظ وتعليم وتفهيم وتفقيه للمسلم، وإما دلالته على مصلحة في دنياه وإرشاد له إلى ما ينفعه في تجارته أو في حرفته أو في عمله ونحو ذلك، أو تحذير من الشرور؛ تحذير من المعاصي وتحذير من الأمراض وتحذير من المحرمات؛ تحذره مما يضر دينه، أو مما يضره في بدنه، أو مما يضره في أولاده أو في أهله أو في أهل داره أو في مواشيه أو ما أشبه ذلك فكل ذلك داخل في الخير.
فأما الشر فهو ضد ذلك، كالسب والسخرية والغيبة والنميمة، وكذلك البهتان والظلم، والقذف والعيب والثلب، وتتبع العورات، والأذى باللسان وما أشبه ذلك، وهكذا أيضا كلمات الكفر بالله تعالى، والشرك وما أشبه ذلك. يصمت عنها اللسان، ويصمت عما لا خير فيه.