تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
55050 مشاهدة
رؤية المؤمنين لله في الجنة

...............................................................................


وأما قوله:
والمؤمنون يرون حقا ربهم
وإلى السماء بغير كيف ينزل
ففي هذا البيت عقيدة المسلمين؛ إثبات الرؤية وإثبات النزول. رؤية المؤمنين لربهم من أفضل النعيم؛ يعني أن من أكبر نعيم المؤمنين أن يتنعموا برؤية الله في الجنة؛ عندما يكشف الحجاب فينظرون إليه فلا يكون شيء ألذ عندهم من نظرهم إلى ربهم سبحانه وتعالى، وقد وردت الأدلة على ذلك كثيرة. من القرآن قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .
لا شك أن هذا نظر صريح، ودليل واضح أنها تلك الوجوه التي في غاية الإشراق وفي غاية الإنارة لقَّاهم نضرة وسرورا كانت سببا في رؤيتهم. لما نظروا إلى الله تعالى أشرقت وجوههم.
ومن ذلك أيضا فسر قول الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ الزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى. للذين أحسنوا الحسنى يعني: الجنة، وزيادة يعني: النظر إلى وجه الله تعالى، ولا يرهق وجوههم إذا دام النظر إلى ربهم قتر. ليس مثل الكفار في قول الله تعالى: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ يعني: ظلمة أو وحشة؛ بل وجوههم تشرق وتضيء إذا نظروا إلى ربهم، وكذلك قول الله تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ دليل على أنهم يرون ربهم، فُسِّرَ المزيد بأنه النظر إلى وجه الله تعالى.
وكذلك الشافعي -رحمه الله- سُئل عن دليل النظر إلى الله تعالى فقال: قول الله عز وجل: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ وذلك لأنه أخبر بأن الكفار محجوبون عن الله فيدل على أن المؤمنين ليسوا بمحجوبين، ولو كانوا لا ينظرون إلى الله لكانوا محجوبين، فلا يكون هناك فرق بين المؤمنين والكفار، فلما حَجَبَ الكفار في غاية الغضب دل على أنه لا يحجب المؤمنين في غاية الرضا.
كذلك يعني: آيات اللقاء في قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ اللقاء عند العرب هو المعاينة أي: نظره إلى ربه، والأدلة كثيرة من السنة أحاديث كثيرة قد تزيد عن عشرين صحابيا أو ثلاثين أوردها ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الذي هو (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح)، وأوردها الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله- في كتابه معارج القبول، وهي صريحة. من أصرحها حديث جرير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر مرة إلى القمر في ليلة أربعة عشر فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته وحديث عن أبي هريرة وأبي سعيد أن ناسا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ هل نرى ربنا في الجنة؟ قال: هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا. قال: هل تضامون في رؤية الشمس صحوا ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم ترونه كذلك .
وذكروا الحديث بطوله مروي في الصحيحين، وكذلك حديث أبي موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن صريح في أنه ما بينه وبين أن ينظروا إليه إلا هذا الرداء؛ رداء الكبرياء، فإذا كشفه فإنهم ينظرون إليه. وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ورؤيتهم لله تعالى هي غاية لذتهم، وهي غاية نعيمهم. إذا نظروا إلى ربهم لم يلتفتوا إلى شيء حتى يحتجب عنهم.