إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
55052 مشاهدة
محاجَّة ابن تيمية لمخالفيه ومحنة السجن

ولما اشتهر -رحمه الله- بهذا القول خاف أيضا أهل مصر أن ينخدع الناس به -في نظرهم- وأن يشتهر قوله، فطلبوا من السلطان أن يرسله إليهم في مصر ليجادلوه في زعمهم؛ فذهب على البريد من دمشق إلى مصر وقطع المسافة سيرا ليلا ونهارا في سبعة أيام، ولما جاء إلى مصر انتصب له رجل شافعي يُقال له: ابن عدوان وقال: أنا أجادله، وترافعوا إلى رجل حنفي يُقال له: ابن مخلوف يسمونه قاضي القضاة، فلما حضر عند ابن مخلوف قال له ابن عدوان إني أدعي على هذا الرجل أنه يقول: إن الله على العرش بذاته، وأن الله يتكلم بحرف وصوت، وأن الله يسمع بسمع، ويبصر ببصر، فعند ذلك قال له ابن مخلوف ما تقول يا فقيه؟
ابتدأ شيخ الإسلام -رحمه الله- بحمد الله تعالى والثناء عليه، وكأنه أطال فقالوا له: ما جئنا بك لتخطب إنما جئنا بك لتحتج، فقال لهم: فمن الحَكم بيننا؟ فقالوا: القاضي ابن مخلوف فقال: كيف يقضي، وكيف يحكم، وهو ضدنا، وهو خصمي؟! لا أقبله، فغضب ابن مخلوف وقال: هذا جدلي أدخلوه السجن، أُدخل في السجن، وجلس فيه نحو سنتين، ولكنه لم يُعَذب، بل في سجن له أبواب، وله منافذ يزوره أهل الخير، ويأتونه بأوراق، ويأتونه بحبر، ويسألونه، فيكتب أجوبة حتى كتب مجلدات، جمعت تلك الكتابات وسميت الفتاوى المصرية .
ولما خرج من السجن المرة الأولى أنكر على بعض المتصوفة، والحلولية ورفعوا أمره أيضا إلى السلطان فأمر بسجنه، ولم يزل كلما خرج أنكر على طائفة من المبتدعة، وكان لهم مكانة عند السلطان؛ فيأمرون بسجنه، واستمر في مصر نحو سبع سنين أي: من سنة سبعمائة وخمسة إلى سنة سبعمائة واثني عشر، يسر الله وخلوا سبيله، ورجع إلى دمشق وحصلت أيضا مناظرة له في دمشق على عقيدته، فأخبر العقيدة الواسطية، وقرأها أحد تلاميذه وأخذوا يجادلونه في أمر العقيدة؛ ولكنه ظهر عليهم بالحُجة، وبين لهم الدليل والصواب .
العقيدة الواسطية أيضا مختصرة، وفيها عقيدة أهل السنة؛ ومع الأسف ما أحد شرحها من الحنابلة، ولا من غيرهم طوال هذه القرون إلا قريبا من نحو أربعين سنة ابتدأ في شرحها بعض مشائخنا وشرحوها، وشُرحت بعدة شروح في هذه السنوات القريبة .
نعود نقول: إن هذه المنظومة مما يهمّ حفظها، وذلك لسهولتها؛ ولأنها متضمنة لخلاصة عقيدة أهل السنة، وإن لم تذكر فيها التفاصيل، فلذلك نحب أن نتكلم على أبياتها في هذا اليوم بما تيسر والآن نبدأ فيها .