لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
55057 مشاهدة
قول ابن تيمية في القرآن

قال الإمام شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية الحراني رحمه الله:
وأقول فـي القـرآن ما جاءت به
آيـاته فهـو الكـريم المــنزل
وأقول: قـال اللـه جـل جـلاله
والمصطـفى الهـادي ولا أتـأول
وجـميع آيـات الصـفات أمـرها
حقا كـمـا نـقل الطـراز الأول
وأرد عـهـدتـها إلـى نـقالها
وأصـونها عـن كـل مـا يتخيل
قبحـا لمـن نبـذ الكتاب وراءه
وإذا اسـتدل يقـول: قـال الأخطل


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول:
وأقول في القرآن ما جاءت به
آياته فهو الكريم المـنـزل
يعني أننا نقول: إن القرآن آيات، وإنه منزل، وإنه قرآن كريم كما أخبر الله تعالى في قوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
والقرآن هو ما في هذه المصاحف التي كُتبت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنها لم تكن مرتبة، ثم رتبت في عهد عثمان الخليفة الثالث -رضي الله عنه- ولما رتبت أرسلها إلى الآفاق، وأمرهم أن يقتصروا عليها وأن يقرءوها؛ فصاروا ينسخون من هذه المصاحف، ويفرقونها على القراء ويقرءونه كما كان.
تواتر هذا القرآن واشتهر، وأصبح معروفا؛ معترفا بأنه القرآن الذي نزله الله تعالى على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فأخبر بأنه نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ أي: نزل به جبريل -عليه السلام- على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخبر بأنه كلام الله؛ منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وأنه أفضل الكلام كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يخطب أحيانًا، فيقول: إن أفضل الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد .
فكان يعترف بأنه كلام الله، وقد سمي أيضا كلام الله تعالى كما في قوله عز وجل في سورة البقرة: وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ أخبر بأنه كلام الله، وكذلك في سورة التوبة يقول تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ومعلوم أن الذي يسمعه هو ما في هذه المصاحف؛ يسمعه يُتلى، وكذلك في سورة الفتح يقول الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فأخبر بأنه كلام الله.
وكذلك أيضا ذكر عن نفسه أنه سبحانه يتكلم، فقال عز وجل: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ يعني: موسى وقال في سورة النساء: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا وكذلك أخبر بأن الله تعالى له كلمات في قوله: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ وآيات كثيرة.
وكذلك أيضا أخبر بأن كلامه لا يحيط به الوصف، ولا يمكن أن يكتب كله فقال تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ يعني: لو أن هذه البحار ومنها مثلها سبع مرات سبعة أبحر، وأن أشجار الأرض من أول الدنيا إلى آخرها كلها أقلام؛ فكتب بذلك البحر يعني: كمداد يعني: حبر، وكتب بتلك الأقلام لفنيت البحار، ولتكسرت الأقلام قبل أن يفنى وينفد كلام الله، وذلك لأنه ليس له بداية ولا نهاية، فهو كلام الله تعالى على ما يعتقده أهل السنة أنه قديم النوع، متجدد الآحاد. يعني أنه تكلم في الأزل، وأنه يتكلم إذا شاء وكيف شاء، وأنه يُسمِع كلامه من يشاء من خلقه.
ففي حديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه- يقول صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي... هكذا أخبر. تكلم بالوحي، فدل على أنه يتكلم، ثم يقول: أخذت السماوات منه رجفة -أو قال- رعدة شديدة خوفا من الله عز وجل .
فهذا يفيد بأنه يتكلم، وأن لكلامه شدة بحيث أن السماوات ترتجف من هيبة كلامه، فهو يتكلم إذا شاء ومتى شاء، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الله تعالى يكلم عباده يوم القيامة، فيقول: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان الترجمان الذي ينقل الكلام من لغة إلى لغة. أي أن ربنا سيكلم عباده، وهكذا أيضا يكلمهم في الجنة ويكلمونه، وذلك كله دليل على إثبات صفة الكلام، وأنه سبحانه يتكلم كما يشاء.
وأن من جملة كلامه هذا القرآن؛ حروفه ومعانيه. ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف؛ بل إنه كلامه سبحانه كما يشاءه. هذه عقيدة سلف الأمة وأئمتها.