القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
33929 مشاهدة
باب ما جاء في العلم


ثم أحيانا يعرض المسألة يعرضها بعضهم عليه؛ فيقرها فيكون ذلك أيضا إقرارا للعلم؛ كأن يقول لبعضهم أو يقولون له: أليس إذا حصل كذا وكذا أليس الحكم كذا؟ فإذا قال: نعم. أو أشار برأسه أو قال: صدقت كان ذلك من التعليم الذي يتفطن له والذي يستفاد منه فمن ذلك : أن رجلا قال: يا رسول الله، أرأيت إن صليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرمت الحرام أأدخل الجنة؟ قال: نعم ولم يكرر عليه بل قال: نعم، فهذا دليل على أنه قد يكون التعليم بالسؤال.
السائل يسأل عن مسألة والمعلم يقتصر على قوله: نعم، يعني الحكم كذا وكذا، ويكثر هذا فيما يجري من الصحابة سؤالهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- واقتصاره على الجواب، اقتصاره على أن يقول: نعم أو حقا أو ما أشبه ذلك، فإذا أقرهم على هذا السؤال كان هذا تعليما، وإن كرر كلامه كان ذلك أيضا تأكيدا.
سأله رجل وقال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله ثم قتلت أأدخل الجنة؟ قال: نعم. ولم يكرر عليه ما قال؛ إذا قاتلت صادقا فإنك تدخل الجنة وإن كان في بعض الروايات أنه كرر، قال: نعم، إذا قاتلت في سبيل الله محتسبا مقبلا غير مدبر ثم قتلت فإنك تدخل الجنة.
تكرير لما قاله السائل وتأكيد له، وهكذا أيضا في هذا الحديث حديث ضمام بن ثعلبة أنه -صلى الله عليه وسلم- أقره لما سأل، لما جاء إليه وهو من بني سعد بن بكر من هوازن؛ لما قال: له إني سائلك فمشدد عليك فلا تجد علي أي لا تغضب، فأولا في بعض الروايات أنه قال: أسألك بالذي رفع هذه السماوات وبسط هذه الأرضين ونصب هذه الجبال وأرسل هذه الرياح وسخر هذا السحاب آلله أرسلك؟ قال: نعم، ولم يقل: إن الله أرسلني، ولما قال:كذلك قال: بعد ذلك: أسألك بالذي أرسلك آلله أمرك أن تأمرنا أن نصلي هذه الصلوات الخمس في أوقاتها؟ قال: نعم.
أقره على ذلك ولم يقل أمرني الله أن أصلي أو أن آمركم أن تصلوا هذه الصلوات في مواقيتها بل اقتصر على عرضه أو أقره على ما عرضه، وكذلك قال في الصدقة وفي الصيام وفي بقية أركان الإسلام، فهذا فيه كيفية التعليم -كمثلا- إذا قرأت فائدة كتبها أحد المشائخ وأعطاك تقرأها فقرأتها عليه وأقرها؛ فإنها تكون فائدة مأخوذة منه، كذلك أيضا إذا سئل أحد المشائخ أو المعلمين وقيل له: -مثلا- أليس الذي ينقر صلاته لا تقبل منه صلاته؟ فقال: نعم كان هذا تعليما كأنه يقول: لا تقبل صلاة من ينقر الصلاة وإن كان قد ورد في ذلك أدلة، وهكذا لو سأله وقال: أليس الذي لا يسبغ الوضوء ولا يتعاهد مثلا أعضاءه بالوضوء فيبقى بعضها لم يمسه الماء لا وضوء له؟ فإذا قال: نعم. كان هذا أيضا تعليما، فالتعليم يكون بإلقاء الكلمات على المتعلمين، ويكون بسؤالهم وإقرارهم على ذلك السؤال الذي يعتبر كأنه جواب.