اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
42529 مشاهدة
الرد على من طعن في الصحابة

بعد ذلك يقول: وأن خير القرون القرن الذين رأوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-. هاهنا ذكر ما يتعلق بالصحابة، لماذا؟ لما أن الرافضة نشئوا في آخر القرن الأول، أو وسطه وغَلَوْا في علي -رضي الله عنه- كانوا يسمعون بعض أمراء بني أمية كالحجاج يلعنون عليا على المنابر فيحزنهم ذلك؛ لأنهم كانوا يحبونه؛ لأنه علَّم كثيرًا منهم، فيسمعون لعنه وشتمه.
فقالوا: لا بد أن نذكر فضائله ولو كذبًا! فصاروا يذكرون فضائل له مكذوبة ليست ثابتة؛ فعند ذلك يسمعهم تلاميذهم يقولون: إذا كانت هذه فضائله؛ يعني فيها مبالغة، فكيف مع ذلك قُدِّمَ عليه أبو بكر وعمر وعثمان في الخلافة؟ فقالوا: لا بد أن نكذب ونقول: إنهم مغتصبون! وأن الصحابة الباقين خائنون؛ حيث إنهم كتموا وصية النبي-صلى الله عليه وسلم-؛ وإلا فإن عليا هو الوصي، وهو الإمام، فَعَلَى هذا لا بد أننا نكذب ونَسُبُّ أبا بكر وعمر وعثمان والصحابة جميعا؛ لأنهم ظلموا عليا ولأنهم أخذوا حقه، ولأنهم استولوا عليه دون أن يكون لهم حقٌّ في الخلافة!! ظلموه.
فعند ذلك أخذوا يكذبون أحاديث شنيعة يذكرونها في مسبة أبي بكر وعمر ويحملون على ذلك كثيرًا من الآيات.
فمن ذلك قولهم: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ أبو بكر وعمر ؛ يدا أبي لهب أبو بكر وعمر ومن ذلك قولهم: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الجبت والطاغوت: أبو بكر وعمر وهكذا لعنهم الله، ثم إنهم يَلْعَنُون أبا بكر وعمر وعثمان وبقية الصحابة لَعْنًا شنيعًا ويسبونهم.
فلما كان كذلك كان أهل السنة لا بد أنهم يذكرون فضائل أبي بكر وعمر ويذكرون فضائل الصحابة ردًّا عليهم؛ لما أنهم نشئوا وجاءوا بهذه المقالات الشنيعة.