تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
42517 مشاهدة
الله تعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى وأدلة ذلك من القرآن


وله الأسماء الحسنى والصفات العلى: أسماء الله تعالى كلها حسنى، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وقد جاء في حديث: إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة .
وذُكر في بعض الروايات سرد تلك الأسماء إلى أن وصلت تسعة وتسعين، والصحيح أن الذي جمعها بعض الرواة، أي: جمعوها من القرآن، وإلا فأسماء الله كثيرة ليست محصورة، ولكن هذه التسعة والتسعون: من أحصاها دخل الجنة ؛ إذا حفظها وعمل بها، واعتقد ما تدل عليه، واعتقد أنها كلها ثابتة، ووصف الله تعالى بموجبها.
من عقيدة أهل السنة: أنهم يعتقدون أن أسماء الله تعالى كلها حسنى، وأنه لا يوصف ولا يسمى بأسماء ليست من الأسماء الحسنى، هناك الأسماء المزدوجة لا يذكر واحد منها إلا مع الآخر؛ لأن ذكر واحد منها قد لا يكون من الحسنى، المزدوجة مثل: الخافض الرافع؛ فلا يذكر الخافض فقط بل يذكران معًا: الخافض الرافع، وكذلك أيضًا المعطي المانع؛ فلا يذكر المانع وحده: المعطي المانع، ومثل المعز المذل؛ فلا يذكر المذل وحده بل المعز المذل قرينان، وهكذا فدل ذلك على أن الأسماء كلها حسنى، وأن منها ما يكون مقترنا بآخر الذي هو ضده.
كذلك نعتقد أن كل اسم من أسماء الله تعالى له ثلاث دلالات: دلالة على الذات بالمطابقة، ودلالة على المعنى المشتق منه بالتضمن، ودلالة على بقية الصفات بالالتزام نذكر مثالا: الرحمن يدل على الله، يدل على ذات الله تعالى ولا ينطبق إلا عليه، فدلالته على ذات الله تعالى دلالة مطابقة يعني: مثل الله لا ينطبق حقا إلا على ذات الله تعالى، كذلك الصفة التي اشتق منها وهي الرحمة، يدل على الرحمة دلالة تضمن؛ يتضمن صفة الرحمة.
كذلك بقية الأسماء وبقية الصفات نقول: إذا كان رحمانًا واسع الرحمة، يلزم أن يكون سميعًا، يلزم أن يكون غنيا، يلزم أن يكون قديرا، يلزم أن يكون بصيرا؛ وهكذا لأنه لا يكون رحيمًا إلا إذا كملت صفاته، فهكذا أسماء الله تعالى كلها حسنى، ذكر ذلك في ثلاثة مواضع في سورة الأعراف: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وفي طه: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وفي آخر الحشر: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى .
وله الصفات العلى:
صفات الله تعالى مشتقة من أسمائه، وهي صفات عالية، صفات رفيعة؛ فإذا وصفناه سميناه بالعليم، فصفة العلم صفة عليا، وصفة السمع والبصر صفات على، وصفة القدرة والإرادة والمحبة والعلم والإرادة وصفة العلو، وصفة القرب، وصفة المراقبة، وما أشبهها كلها صفات عالية رفيعة نصف الله تعالى بها، ونعلم أنها لا تشابه صفاتنا؛ فكما أنه متوحد في ذاته فكذا في صفاته، يقول هنا:
لم يزل بجميع صفاته وأسمائه يعني:
أنها قديمة قبل أن توجد آثارها؛ كما قال الطحاوي في عقيدته ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بعد رزقهم استفاد اسم الرازق.
يعني أنه اسم من أسمائه الخالق قبل أن يُوجِد الخلق، والرازق قبل أن يوجدوا فيرزقهم، وكذلك بقية أسمائه، من أسمائه: المحيي المميت قبل أن يوجد من يحييهم ومن يميتهم، ومن أسمائه المعز المذل قبل أن يوجد أناس يعزهم أو يذلهم، وهكذا لم يزل بصفاته، قديمة صفاته وأسماؤه أيضًا؛ قديمة صفاته بقدم ذاته، تعالى: أي أن تكون صفاته مخلوقة يعني كما أن ذاته ليست مخلوقة فكذا صفاته.
النفاة والمعطلة ينفون الصفات، ويدعون أن إثباتها إثبات للحوادث فيقولون لمن أثبتها: أنكم أثبتم حلول الحوادث بذات الله، ونقول: تعالى الله أن تحل به الحوادث، ولكنهم لا يفقهون.
فمعنى حلول الحوادث يقولون: إذا قلنا: مثلا أنه يرحم فالرحمة شيء جديد حلت به، وإذا قلنا: إنه يحب؛ فالمحبة شيء جديد حل به، وإذا قلنا: إنه يغضب أو يرضى فهذا شئ جديد يحل به فيكون محلا للحوادث، هكذا يعللون؛ فلذلك نفوا هذه الصفات فيقول المؤلف: تعالى أن تكون صفاته مخلوقة، فهو متصف سبحانه بالغضب وبالرضا قبل أن يوجد خلق يرضى عنهم أو يغضب عليهم، وكذلك بالحب والكراهية قبل أن يوجد من يحبهم ومن يكرههم ومن يبغضهم، فصفاته قديمة فلا تكون ذاته محلًا للحوادث، وأسماؤه ليست محدثة، ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بعد رزقهم استفاد اسم الرازق أو الرزاق بل هو سبحانه وتعالى الرزاق قبل أن يوجد من يرزقهم.