جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
الإسلام بين الغلو والجفاء والإفراط والتفريط
16229 مشاهدة
مفهوم الإسلام

إن الإسلام الحقيقي هو الاعتراف بالله إلها وربا وخالقا، والديانة له بالعبادة كما فسره الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- حيث يقول في الأصول الثلاثة:
الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
فبيَّن -رحمه الله- أن المسلم الحق هو المذعن المنقاد المتذلل، الذي متى علم أن هذه الخصلة من الإسلام جاء بها واتبعها، ولم يتخلف عنها، ومتى علم أن الإسلام حرَّم أو نهى عن هذه الخصلة ابتعد عنها، ودان لله تعالى بتركها، هذا حقا هو المسلم.
ونحمد الله أن حفظ علينا شعائر ديننا؛ فجميع المحرمات أدلتها موجودة في الشريعة؛ واضحة في الكتاب والسنة، وكذلك فإن جميع الواجبات والعبادات المشروعة، أدلتها موجودة أيضا في الكتاب والسنة، فلسنا بحاجة إلى تحكيم العقول، ولا أن نزن بأهوائنا ما يلقى إلينا، وما يسوقه إلينا أولئك الأعداء الذين يجعلون أهواءهم في الميزان، فما وافق هواهم اتبعوه وشرعوه، وما لم يوافق هواهم اجتنبوه.
وإذا كان الإسلام قد تضمنته الشريعة وأدلتها واضحة صحيحة، فليس للمسلم أن يدين بأية قربة أو طاعة إلا بعد أن يثبت له دليلها، وليس له أن يحرم أية خصلة إلا بعد أن يتحقق دليلها من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولقد تكفل الله -سبحانه وتعالى- ببيان هذا الدين، وجعله كاملا، فأنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ واكتمال الدين احتواؤه على كل خير، ونهيه عن كل شر، ولقد بين وكمّل تعاليمه وتفسيره وإيضاح معانيه النبيُّ الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي كلّفه الله أن يبين للناس هذا الدين، فقال -تعالى- وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ أي: لتبين لهم بالأمثلة وبالإيضاح التام ما أجملت أحكامه في القرآن، فإذا بيّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأفعاله، كان هذا البيان من الله تعالى؛ لأنه وحي وتشريع.
روي عن أحد الأعراب- لما دخل في الإسلام- قوله: إني تأملت ما جاء به محمد فرأيته ما أمر بشيء فقال العقل ليته نهى عنه، وما نهى عن شيء فقال العقل ليته أمر به.
والمراد هنا العقول السليمة، والفطر المستقيمة، فإنها تشهد بحسن هذا الدين، وباحتوائه على كل خير، وبزجره عن كل شر، وتشهد كذلك بمطابقته وملاءمته للمصالح، واحتوائه على كل ما ينظم الحياة تنظيما حقا كاملا صحيحا، فكان ذلك هو السبب الذي لأجله اختاره الله لهذه الأمة، التي هي خير أمة أخرجت للناس، وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، من ظلمات الجهل والضلال، إلى نور الحق والإيمان، فكان حقا على عباد الله الذين هداهم الله فأقبلوا بقلوبهم إلى اعتناقه، وصدقوا الرسول الذي جاء به؛ كان حقا عليهم أن يطبقوه أتم تطبيق، وأن يعملوا به، وأن يكونوا في عملهم عارفين لأهدافه ومقاصده، غير مضيفين إليه ما ليس منه، أو مقصرين في شيء منه، أو مخلين بشيء من تعاليمه.