اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
56136 مشاهدة
رد شهادة القاذف

...............................................................................


وأما الحد الثاني؛ فهو رد الشهادة. وهو أن ترد شهادته؛ فلا تقبل شهادته في أمر من الأمور عند الحاكم؛ لأن الله قال: وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا قيل: إن هذا خاص بمثل هذا؛ أي: لا تقبلوا شهادتهم بالرمي أبدا، وتقبل شهادتهم في غير ذلك.
والقول الثاني: أن شهادتهم لا تقبل في الدعاوي ولا في الخصومات ولا في المنازعات ولا في غيرها؛ لا تقبل لهم شهادة ؛ وذلك من باب التنكيل لهم، ومن باب الزجر لهم، ولو ظن في الأمر صدقهم؛ حتى لا يتجرءوا على مثل هذا. قد يظهر أنهم صادقون ببعض القرائن، وقد يقول قائل: ما الدافع لهم إلى هذه التهمة وإلى هذا الرمي؟. ليس لهم مصلحة في ذلك؛ لو كانوا كاذبين ما تعرضوا لهذه التهمة، ولا تعرضوا لهذا الحد ولهذه العقوبة، فيغلب على الظن صدقهم.
فالجواب: أن ذلك حرصا على الستر؛ ستر نساء المؤمنين؛ سيما إذا كن من ذوات الدين، ذوات الشهرة والمكانة والإحصان والفضل والستر لأنفسهن؛ فمن باب الستر عليهن والزجر عن قذفهن وعيبهن وتهمتهن حصلت هذه العقوبة.