تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
56161 مشاهدة
إذا أكره على الزنا

...............................................................................


واختلفوا في الإكراه؛ إذا أكُره على الزنا هل يجلد أم لا أو يرجم؟ ذكر بعض العلماء أنه في الرجل لا يتصور أنه يكره؛ وذلك لأنه لا يحصل معه الانتشار إلا إذا كان مختارا. أما إذا كان مغصوبا مكرها فلا يقدر على أن تثور شهوته؛ هكذا ذكر أكثر العلماء. ولكن قد يكون له نوع من الشهوة، فإن كثيرا من النساء تخدع الرجل حتى يأتيها في مكان خال، وتقول له: إما أن تزني بي وإما أن أفضحك؟ وأقول: إنه جاءني يراودني، وتهدده على أن يفعل بها؛ فلا يسلم إلا إذا فعل بها.
فمثل هذا قد يكون معه نوع إكراه، ولكن له اختيار وله شهوة؛ فلذلك لا بد أنه يعاقب على هذا، ولكن لا يصل إلى عقوبة الزاني الذي هو الفاعل المختار.
وأما إذا أكُره علنا على أن يزني أو يموت، يعني وقيل له: إما أن تفعل وإلا قتلناك، فالغالب أنه لا يحصل معه ثوران شهوة ولا يكون قادرا على ذلك، فربما يعذرونه.. ولكن إذا كان إذا فعل فالغالب أنه يحس من نفسه بأن معه شيء من الرغبة، سيما إذا دعته تلك المرأة الجميلة وتبرجت أمامه، وأبدت عورتها، فإن الدوافع تكون كثيرة. وبكل حال فالأصل أنه إذا حصل منهم إكراه عليه فقد يكون عذره أخف.
بخلاف المرأة فإنها إذا كانت مكرهة لا خلاف أنه لا عقوبة عليها؛ فقد يجبرها إلى أن يغصبها، ويقهرها قهرا، ويفجر بها، ولا تقدر على أن تتمنع منه؛ ففي هذه الحال يسقط عنها الحد؛ لعذرها بالإكراه، فهذه شروط إقامة الحد على حد الزنا. وأما الرجم فلا شك أنه ثابت بالأحاديث أنه روي للتنفيذ؛ لا من ذهب لإنكارها. ثم الرجم معروف أنه الرجم بالحجارة ليموت.
يعني يُحضر حجارة، الحجر ملء الكف أو نحوه، ثم يجتمعون عليه ويرجمونه من أمامه ومن خلفه وعن جانبيه، على كل عضو من أعضائه، ولو على رأسه أو على وجهه أو على بطنه أو على كتفه أو قلبه أو نحو ذلك إلى أن يموت؛ وقالوا: الحكمة في ذلك أن يموت بهذا الألم الذي هو تأليم بدنه كله إلى الموت، كما أنه أوقع نفسه في هذا الجرم، وفي هذا الذنب الكبير.
وقد أنعم الله عليه بالنكاح الحلال فعدل عن الحلال إلى الحرام؛ فكان ذلك سببا في التشديد عليه في العقوبة. وشروطه كما ذكرنا أن يكون قد تزوج ودخل بزوجته، فيكون بذلك محصنا ولا تُحصِّنه الأمة. إذا كان له أمة مملوكة له يستمتع بها؛ أعني يتسراها كسُرِّية فلا يكون بذلك محصنا، إنما المحصن إذا كانت له زوجة، وحتى لو كانت مطلقة أو ماتت عنه؛ فالأصل أنه يعتبر محصنا، إذا كان قد تزوج زواجا صحيحا، هذا حد الحر.