لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
49642 مشاهدة
1- إثبات صفة النزول الإلهي إلى سماء الدنيا

[ فمن ذلك: مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له؟ متفق عليه .]


(الشرح) قوله: (فمن ذلك: مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا... .
هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة وهو مُخَرَّج في الصحيحين، وهو من جملة الأحاديث التي ردها المعتزلة ولم يقبلوها، وقد ثبت ثبوتا لا مفر منه، وقد نقله الذين نقلوا الشريعة، ولهذا يقول أبو الخطاب في منظومته في العقيدة:
قالوا النزول فقلت ناقله لنا قوم هم نقلوا شريعة أحمد

الذين نقلوه هم الذين نقلوا الشريعة.
فنقول للمعتزلة وغيرهم: فإما أن تقبلوا الشريعة كلها، وإما أن تردوها كلها، أما كونكم تقبلون ما يوافق معتقداتكم وتردون الباقي، فهذا تفريق بين ما جمع الله بينه؛ تفريق بين متماثلين، فمن قبل البعض دون البعض أشبه اليهود فيما ذكر الله عنهم في قوله: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة 85] وفي قوله : وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا [ النساء: 150].
لا شك أن هذا تفريق بين متماثلين؛ لكونهم يقبلون أحاديث هذا الصحابي في حالة ويردونها في حالة، أما أهل السنة والجماعة فإنهم يؤمنون بهذا الحديث، وأن الله تعالى ينزل نزولا يليق به، كما يؤمنون بالمجيء الذي ذكره الله، في قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] وفي قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [البقرة: 210 ] وفى قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [ الأنعام: 158 ] ويقولون: إن نزوله ومجيئه وإتيانه كما يليق به، ولا يتكلفون وراء ذلك، ولا يتقعرون؛ لأن المعتزلة والجهمية ونحوهم أخذوا يتساءلون ويقولون: إذا نزل، فهل يخلو منه العرش أم لا، هل تكون السموات فوقه أم لا؟، نقول: لا حاجة لنا في التكلف ولا نسأل شيئًا وراء ذلك، بل نؤمن بما أخبر، والله تعالى ليس كمثله شيء في صفاته، وكذلك في أفعاله، والنزول من الأفعال، فنؤمن بذلك.
والرسول عليه الصلاة والسلام ذكر هذا الحديث؛ لِيُرَغِّبَ الأمة في الصلاة آخر الليل، وكان عليه الصلاة والسلام يداوم على الصلاة في الثلث الأخير من الليل؛ لأنه كان ينام مبكرا بعد العشاء مباشرة، ثم يقوم الثلث الأخير كله أو النصف الأخير كله للتهجد بالليل، وكذلك جملة مستكثرة من صحابته.

وهكذا المسلمون في أغلب الأوقات يقومون آخر الليل، يتحرون ذلك الوقت الذي فيه هذا التودد من ربهم، فيتعرضون لنفحاته، فالله تعالى يتودد إليهم يقول: من يدعوني فأستجيب له فيتقربون إليه بكثرة الدعاء ذلك الوقت، من يستغفرني فأغفر له فيبادرون بكثرة الاستغفار وكذلك بكثرة التوبة، وكذلك بالإنابة إليه.
فإنهم فهموا من الحديث أنه تعالى يحثهم على هذه الأعمال فصاروا يتحينون ذلك الوقت الذي هو آخر الليل؛ لأجل الصلاة والاستغفار والدعاء والتوبة وصدقها وما أشبه ذلك، هذا هو الذي فهموه، ولم يكونوا يوجهون أنظارهم ولا يتقعرون في البحث عن كيفية نزوله، كما تبحث في ذلك المعتزلة ونحوهم .
ويستدلون بذلك أيضًا على أن ربهم هو العلي الأعلى بقوله: ينزل، فالنزول لا يكون إلا من أعلى، ولكن لا يكيفون العلو بكيفية إلا أنه تعالى هو العلي بجميع أنواع العلو .
فالحاصل أن في هذا الحديث دليل على إثبات صفة العلو ودليل على إثبات صفة النزول الذي يعتقده المسلمون وأنه تعالى ليس كمثله شيء لا في علوه ولا ارتفاعه، حيث إن ذلك لا ينافي قربه واطلاعه ومعيته لخلقه، وكذلك نزوله، لا ينافي علوه على عرشه واستواءه عليه وما أشبه ذلك من صفاته .

هكذا يعتقد المسلمون، وكلما اعتقد المسلم الواعي هذه الصفات دله ذلك وحمله على أن يعظم ربه، فتقع آثارها في قلبه، فيكون من تأثيرها أن يعبده حق عبادته، وألا يعبده في وقت من الأوقات دون وقت، بل تكون عبادته دائمة في كل وقت فإن عمل المؤمن دائم ليس فيه انقطاع.