إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
محاضرة بعنوان شكر النعم (2)
11272 مشاهدة
استخدام الأبدان في طاعة الله تعالى

كذلك أيضا من شكر نعم الله: استعمال هذه الأبدان فيما خلقت له ألا وهو: عبادة الله -سبحانه وتعالى- بكل أنواع العبادة، فإن الواجب علينا أن ندعو الله تعالى، ولا ندعو غيره، بل هو الذي أمرنا بدعائه بقوله: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ كذلك أيضا نستعين به في حالاتنا ونعرف أنه إذا لم يساعدنا، ولم يمدنا بعونه؛ فإننا نعجز عن أن نؤدي عبادته وحده، كذلك أيضا نعتمد عليه، ونتوكل عليه وحده في كل أمورنا، ونعلم أن من توكل على الله فهو حسبه، من توكل عليه كفاه.
وكذلك أيضا نستعيذ به من الشرور؛ لأنه هو ملجأ العباد، وهو الذي ينصرهم ويحميهم من كل شر يحيط بهم؛ وذلك لأن الشرور والأضرار محدقة بالإنسان؛ حيث إنه قد سلطت عليه الأعداء من كل جانب، فإذا لم يحمه ربه ويحفظه؛ اختطفته الأعداء، وأغوته، وأغرقته، فإذا استعان بالله واستعاذ به؛ حفظه وحماه؛ ولأجل ذلك أمرنا بأن نستعيذ بالله دائما من أعدائنا، نكثر من الاستعاذة بالله من كل عدو يكيد لنا.
كذلك أيضا استعمال هذا البدن في طاعة الله تعالى دائما، وذلك مجال واسع ولكن أهم شيء: المحافظة على الصلوات؛ فَرْضها ونَفْلها؛ فإنها شعار الإسلام: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى أي: أديموا عليها، وعد الله المحافظين عليها بالأجر الكبير؛ قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ المحافظة عليها في أوقاتها، المحافظة عليها في جماعتها، المحافظة على أركانها وعلى واجباتها، المحافظة على الخشوع فيها، وعلى الخضوع فيها والاستكانة فيها، الاستعانة بها على أمور الدين والدنيا، قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ أي: أن هذه الصلاة ثقيلة، ولكن خفيفة على الخاشعين، الخاشعون هم المخبتون، فإذا كانت الصلاة سهلة وخفيفة عليك ومحبوبة؛ فهنيئا لك أنك من الخاشعين، وأما إذا كانت ثقيلة لا تأتيها إلا وأنت كَسِل، ولا تأتيها إلا وأنت متثاقل؛ فإن ذلك علامة عدم الخشوع -والعياذ بالله-.
كذلك أيضا نتواصى بالإكثار من جنس هذه الصلاة، جنسها يعني: النوافل، أنت -مثلا- عندك فراغ، وإذا كان عندك هذا الفراغ؛ فإن عليك أن تجعل لنفسك وقتا تشتغل فيه بهذه العبادة، فوقت الضحى -مثلا- في الساعة العاشرة والحادية عشرة استغل هذا الوقت؛ تطهر وصل فيه ركعتين أو تسليمتين أو ثلاثا أو أربعا؛ تتزود من هذا الخير؛ فهي عبادة يحبها الله، ويحب المكثرين منها، الذين تكون هذه الصلاة قرة أعينهم وسرورهم وبهجتهم، كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة يمتثل قوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ؛ يجعل الصلاة مفزعا له عندما يأتيه ما يهمه أو ما يحزنه، إذا دخل في الصلاة وجد الراحة ووجد الطمأنينة؛ فعلينا أن نقتدي به في ذلك.