إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
محاضرة بعنوان المكسب الحلال والمكسب الحرام
5607 مشاهدة
حرمة مال المسلم

فإذا عرفنا ذلك فإن علينا أن نتجنب كل حرام وكل ما فيه شبهة، فمن ذلك قول الله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وهذا يعم أكل أموال الناس بغير حق، فإن المؤمن له حرمة ، فلا يجوز لإخوانه المسلمين أن يعتدوا على ماله بغير حق، لا يأكلوه بأي وسيلة إلا بسماح منه وطيب نفس.
ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه لا يحل أخذه، ولا الاستمتاع به، ولا الانتفاع به، ولا أكل شيء منه إلا إذا سمح بذلك وطابت نفسه، فأما إذا كان مُكرها فإن الذي يأخذه أو يستمتع به يأكل أو يأخذ حراما ويتملك حراما؛ ولذلك قال في هذه الآية: وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وصورة ذلك إذا كان الإنسان يعلم أنه لا حق له في هذا المال وليس من أهله، ولكن من باب الجشع، ومن باب الظلم والاعتداء اعتدى على مال أخيه بغير حق، ثم علم أن صاحب المال ليس عنده من بينات وليس عنده وثائق ولا براهين فقال: سوف أخصمه، وسوف أذهب معه إلى القاضي، وأحلف عليه، وآخذه إذا حكم به القاضي، وأستحل ذلك، فيستحلون أموال الناس بموجب أن القضاة حكموا لهم بذلك، ومعلوم أن حكم القاضي لا يُحل الحرام ، ولا يغير الواقع والشيء عن أصله، فالحرام حرام ولو حكم به القاضي.
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ترافع إليه رجلان في مواريث بينهما قد اندرست، كل منهما يقول: الحق لي. فوعظهما قبل أن يحكم بينهما وقال: إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو مما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها أخبر بأن الاثنين إذا تخاصما إليه قد يكون أحدهما أقدر على البيان وأقدر على الحجة وأقوى كلاما فيحكم له وهو يعلم- المحكوم له- يعلم أنه مبطل، ويعلم أن الحق عليه لا له، فإذا حكم له القاضي بذلك بناء على قوة بيانه وقوة لسانه وكثرة كلامه، فإنه والحال هذه إذا كان يعلم الحرمة فإنه لا يأخذه إنما يأخذ قطعة من النار، يعني هذا الحكم أو هذا الأمر الذي حكم به لا يكون حلالا بل يكون حراما.
فحكم الحاكم لا يغير الأمور عن وقائعها؛ ولذلك قال في هذه الآية: وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم في أخذ المال بغير حق، فقال صلى الله عليه وسلم: من اقتطع مال أخيه بيمين هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان. قالوا: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك أي وإن كان عود سواك يعني بقدر القبضة، لو حلف على أن هذا له وهو كاذب وأخذه لقي الله وهو عليه غضبان، فإذا كان هذا الحكم في الشيء اليسير فكيف بمن حلف على أموال طائلة لا يستحقها من أموال إخوانه المسلمين، يأخذها بيمين هو فيها فاجر لا يستحقها.
كذلك أيضا شدد النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم المال كتحريم القتل، شبه من يأخذ مال أخيه كمن يريق دمه أو من يعتدي على محارمه، في قوله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه أي أن الله تعالى حرم عليك أن تقتل أخاك بغير حق، وكذلك حرم عليك أن تأخذ شيئا من ماله بغير حق، وكذلك حرم أيضا انتهاك عرضه بغير حق هكذا ورد.
وأكد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته في خطبته في حجة الوداع؛ حيث قال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت هكذا أخبر وأكد تحريم بعض المسلمين على بعض؛ وما ذاك إلا أن المسلمين ربطت بينهم الأخوة الدينية، فإذا كانوا إخوة في الدين إخوة في الإسلام فإن عليهم أن يحققوا هذه الأخوة، فلا يعتدي أحد على أحد، ولا يأكل أحد مال أحد بغير حق، ولا يأكلون من مال إلا بطيب نفس من صاحبه، فإذا كانوا كذلك صدق عليهم أنهم إخوة كما سماهم الله تعالى، وكما سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم يعني أنهم أخوة في الدين.
كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه شدد النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتداء من بعض المسلمين على بعض في أخذ شيء بغير حق حتى ولو كان شيئا قليلا، ففي حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من اقتطع شبرا من الأرض بغير حق طُوقه من سبع أرضين يعني إذا اعتدى على أرض أخيه على أرض جاره التي ليس يملكها ولكنها مِلك لمن أحياها وسبق إليها، إذا اعتدى وأخذ منها ولو شبرا فإن هذا الشبر يطوقه، يكون طوقا في عنقه يحمله يوم القيامة من سبع أرضين، وهذا وعيد شديد في أخذ مال المسلم بغير حق ، إذا كان هذا في القليل فكيف بمن أخذ ما هو أكثر منه.
وقد ذم الله تعالى من يأكل أموال المسلمين بغير حق، فأخبر الله تعالى عن سُنة اليهود، قال الله تعالى عنهم: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ذمهم ثم قال: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ما حملهم على هذا إلا كفرهم إلا عنادهم وظلمهم وقولهم: ليس علينا حرج إذا أخذنا من هؤلاء فإنهم ليسوا مثلنا ولا على ديننا.