شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
كلمة في رئاسة الأمر بالمعروف
4184 مشاهدة
خطورة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ومتى ترك هذا الأمر وتركت هذه الوظيفة فإن العاقبة سيئة؛ لأن تركها يكون سببا لحلول البدع وانتشار المنكرات، وحصول الفواحش والمحرمات، وكثرة المعاصي؛ فيكون ذلك سببا للعقوبات التي تعم جميعهم.
في حديث أبي بكر الذي في السنن قال رضي الله عنه: أيها الناس إنكم تقرءون قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ( أوشك )؛ يعني أحرى، وقرب أن تعمهم العقوبة إذا رأوا المنكر وهم قادرون على أن يغيروه فتركوا تغييره، فإن هذا يكون سببا لعموم العقوبة أن يعمهم الله بعقاب من عنده، سيما إذا كانت المعاصي ظاهرة مشاهدة، فإن العقوبة عليها عامة.
وفي حديث آخر: إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت ولم تغير ضرت العامة ؛ يعني الذين يقدرون على أن يغيروا ولكنهم لم يغيروا. فيضرهم؛ يعني تنزل العقوبة بهم جميعا، وقد استُدِل على ذلك بقول الله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً أي تعمهم وتعم غيرهم؛ تعم الظالمين وتعم الساكتين.
ولا شك أن السكوت مع القدرة ومع التمكن من الإزالة يكون سببا في إقرار المنكر، ثم سبب في فشو المنكرات وكثرتها وتمكنها في المجتمعات الإسلامية، والعجز بعد ذلك عن السيطرة عليها والقضاء عليها؛ لأن المنكر إذا تسوهل فيه لأول الأمر فإن أهله يتمكنون، ثم يزيدون ويزيد شرهم إلى أن يصير لهم قوة ومنعة وتمكن فيصعب بعد ذلك إزالة هذا المنكر، وربما يصبح كما ورد في حديث غربة الدين يصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا، والسنة بدعة والبدعة سنة، وإذا غيرت البدعة قالوا: غيرت السنة، وهذا ظاهر كثيرا في هذه الأزمنة.
ولا شك أيضا أن عقوبة الله تعالى إذا نزلت تعم الصالح والطالح، وقد وردت أحاديث كثيرة وآيات فيها الحث على الأمر والنهي، والإلزام بترك المنكرات والمحرمات، وصف الله تعالى المؤمنين قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ قدم الأمر والنهي على الصلاة والزكاة، وهو دليل على مكانة هذه الوظيفة وأهميتها.