إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب
5021 مشاهدة
أسباب الرحمة

...............................................................................


وقد ذكر الله -تعالى- سعة الرحمة أو كثرتها وجعلها مقيدة بشروط؛ من لم يأت بها لم يقبل منه، ولم يكن من أهلها حقًّا، فعلى هذا ماذا نقول لهؤلاء الذين يصرون على الذنوب ويستمرون عليها؟ وإذا نصحتهم. يقولون: الله غفور رحيم، رحمة الله واسعة نقول: لهم ائت بأسباب الرحمة حتى تكون من أهلها، لا ينفعك القول بدون عمل، لا تصل إليك رحمة الله -تعالى- إلا أن يشاء الله وأنت على هذا الكفر ونحوه؛ فلا بد أن من رجا رحمة الله يحرص على الإتيان بأسبابها، ومن أسبابها التقوى والإيمان ونحو ذلك فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ إلى آخره، فدل على أنها واسعة، ولكن ليست لكل أحد.
كثير من الخطباء يخطبون خطبة -كلها أو من أولها إلى آخرها- في الرحمة وسعة الرحمة، وتعلق القلب بالرحمة وما أشبه ذلك، فيسمعهم السامع ويقول: هذه واسع رحمة الله الواسعة، أن الله -تعالى- جعل الرحمة مائة جزء، فلا بد أنها تنالنا هذه الرحمة. يعني: ما بيننا وبينها إلا أن نموت فيرحمنا ربنا، ويجعلنا مع عباده الصالحين، فيتعلقون بالرحمة ويفعلون الجرائم، ويكثرون من الذنوب ويقولون: إننا نعرف الإثم؛ ولكن رحمة الله واسعة؛ فأتوا بأسبابها، ائتوا بأسبابها التي ذكرت.
أولا: ذكر الله التقوى، والتقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله. المعصية: أن تترك الشيء على نور من الله، تتركه خوفًا من الله -تعالى- على نور من الله تخشى عقاب الله ، ولها تعريفات أخرى كما سبق.
كذلك الله يقول: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ عطف غافر الذنب؛ عطف عليها سعة الرحمة وقبول التوبة، ثم ذكر بعد ذلك، شدة العقاب، فالذين يكثرون من الذنوب، ويتساهلون بها، يقال لهم: إنكم قد أمنتم مكر الله، وهذه الأحاديث تدل على أن من تساهل في المعاصي ألحق بالذين يأمنون مكر الله، فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ الآيات أولها قول الله -تعالى:- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ثم يخوف غيرهم؛ يقول: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ يعني أن يأتيهم عذاب الله -تعالى- .
ثم قال: أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ يعني: لو قدره الله -تعالى- على قدر على أن يأتيهم بهذا المقدار، أن يأتيهم بهذا العذاب ضحى وهم يلعبون. ..