جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
فضل الصحابة وذم من عاداهم
8916 مشاهدة
اهتمام العلماء بذكر فضائل السلف والصحابة

ويذكر لنا بعض المشايخ الذين عملوا في مناطقهم أنهم وجدوا أهل السنة هناك يعتقدون أنهم مسلمون، وليس بينهم من الفَرق إلا كما بين من يقول: إني شافعي وإني مالكي، ولم يدروا أنهم على باطل حتى ظهر لهم الحق، لا شك أن هذا هو المعتقد السيئ عندهم.
نقول: لما كان الأمر كذلك اهتم العلماء -رحمهم الله- بذكر فضائل السلف وفضائل الصحابة رضي الله عنهم، وذكروا ذلك في عقائدهم كما ذكر ذلك الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى، وكما ذكر ذلك أصحاب العقائد نظمًا ونثرًا، يقول أبو الخطاب الكلوذانى في عقيدته . مبينًا فضل الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم:
قــالوا: فمـن بعـد النبـي خليفــة؟ قلــت: الموحــد قبــل كــل موحــد
حاميـه فـي يـوم العـريش ومـن لـه فـــي الغـار مسـعد يالــه مـن مسـعد
خــير الصحابــة والقرابــة كــلهم ذاك المؤيـــد قبـــل كـــل مؤيـــد
قــالوا: فمـن صـديق أحمد ؟ قلت: من تصديقــه بيــن الــورى لــم يجحــد
قــالوا: فمن تـالي أبـي بكـر الرضا؟ قلـت: الإمـارة فـــي الإمــام الأزهـدي
فـاروق أحـــمد والمهــذب بعــده نصــر الشـــريعة باللســان وبـاليـد
قــالوا: فثـالثهم؟ فقلــت: مسـارعًا مـــن بــايع المختـــار عنـه بـاليـد
صهـر النبي علـى ابنتيـه ومـن حوى فضليـــن فضــــل تلاوة وتهجــــد
أعنـي ابـن عفــان الشهيد ومن دعي فـي النـاس ذا النـورين صهــر محمــد
قــالوا: فـرابعـهم؟ فقلـت: مبــادرًا مـــن حــاز دونهــم أخــوة أحــمد
زوج البتول وخـير من وطـئ الحـصى بعــد الثلاثـــة والكــريـم المحــتـد
أعنـــي أبا الحسـن الإمام ومــن له بيــن الأنــام فضــائل لــم تجحـد

وعلى هذا فقد اهتم السلف بذكر فضائل الصحابة في العقيدة؛ لأنا لو نزلنا على عقيدتهم لرددنا الكتاب والسنة، فمن أين جاءنا الكتاب إلا بواسطتهم، ومن أين جاءتنا الأحاديث النبوية إلا عن نقلهم، فإذا كانوا كفارًا -كما يقول هؤلاء- فإن أخبارهم لا تقبل.
أما شبههم التي يرمون بها أهل السنة، فمنها الآيات التي ذكرت في المنافقين، فإنهم يحملونها على الصحابة رضي الله عنهم، فمثلا قول الله تعالى في قصة بدر: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ قالوا: هؤلاء جادلوا الرسول كأنما يساقون إلى الموت، فقد كفروا بذلك لما جادلوا الرسول، فكفروهم بذلك والله تعالى ما كفرهم،وسماهم مؤمنين وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ كيف تكفرونهم مع أن الله تعالى سماهم بالمؤمنين؟ نعم كرهوا مقابلة الكفار مخافة أن يقضى عليهم وهم عدة الإسلام والمسلمين، ومعهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعهم خيار الصحابة، ولكن الله تعالى نصرهم وأيدهم، وسبب هذه الكراهية، وهذه المجادلة أنهم يقولون: إنما ذهبنا إلى العير، فيقال: هل يخرجهم من الإيمان؟ الجواب أنه ما أخرجهم، ولكن هؤلاء السفهاء جعلوه كالدليل على أنهم كفارٌ، فلأجل ذلك كفروهم بمثل ذلك.
وذكروا آية ثانية وهي الآية التي في آخر سورة الجمعة، وهي قول الله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قالوا: هؤلاء الذين انفضوا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب وتركوه قائمًا ارتدوا بذلك، هكذا قالوا، مع أن الله تعالى لم يكفرهم بذلك بل أقرهم على هذا وعفا عنهم.
ثم نقول: من هم الذين بقوا ومن الذين نفروا، ومعلوم أنهم خرجوا ينظرون إلى هذه الإبل، ثم رجعوا وأتموا صلاتهم ولا يليق بهم أن يتركوا الصلاة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قد يكون معهم بعض أهل البيت، قد يكون معهم سلمان -رضي الله عنه- وقد يكون معهم بعض الذين يمدحونهم كعمار وصهيب رضي الله عنهما وغيرهم.
وما دام كذلك فلا حجة لهم في مثل هذه الآيات التي يستدلون بها، ثم لو قدر أنهم صادقون وأن تلك الأشياء وقعت منهم حقيقة، فهل يليق أن نكفرهم بها؟ لا يليق بنا ذلك فلهم من السوابق ما يكفر به عنهم إذا صدر منهم أي ذنب من الذنوب، فنقول: لعلهم قد تابوا منه، والتوبة تجب ما قبلها، أو محيت عنهم بسوابقهم وحسناتهم التي عملوها، وسوابقهم وأعمالهم مضاعفة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تسبوا أحدًا من أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نَصيفه فالحسنات يُذهبن السيئات، فكيف ننسى حسناتهم ونتذكر أشياء طفيفة وسيئات خفيفة، على حد قول بعضهم:
ينسى من المعروف طَوْدًا شامخًا وليس ينســـى ذرة ممـــن أســـا

ينقبون الذرات والأشياء الصغيرة عليهم وينسون فضائلهم وجهادهم، ولكنهم قوم لا يفقهون.
إذن فعلى المسلم أن تكون عقيدته نحو الصحابة محبتهم، والترضي عنهم، والثناء عليهم، والاعتراف بما لهم من المزية وبما لهم من السبق، ومعرفة أنهم خير قرون هذه الأمة، لم يكن ولا يكون مثلهم، وأن فضائلهم لا يدركها غيرهم، فإذا اعترفنا بذلك عرفنا بذلك كُفر مَن كفّرهم وضلال من ضلّلهم، وبعد الذين عادوهم ونصبوا لهم العداوة، بل نصب العداوة لكل من والاهم من أهل السنة والجماعة، وما علينا إلا أن نشهر ونعلن فضائل الصحابة كما أعلنها وكما أشهرها الأئمة قبلنا، وقد ذكرنا أن العلماء أظهروا فضائلهم؛ فالبخاري في الصحيح جعل كتابًا في صحيحه لفضائل الصحابة بدأها بفضائل الخلفاء الأربعة، وهكذا فعل مسلم في كتابه كتاب فضائل الصحابة، وهكذا فعل الترمذي وهكذا ألف الإمام أحمد كتابه: فضائل الصحابة المشهور، وهكذا الكتب المؤلفة في ذلك.
كل ذلك في الثناء على الصحابة وعلى أتباعهم، فإذا قرأ المسلم تلك الأخبار وعرف صحتها، عرف بذلك أن من عاداهم فهو ضال مضل، خارج عن الإسلام، طاعن في عقيدة الإسلام، بل في أصل الإسلام الذي هو الكتاب والسنة.