شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
24912 مشاهدة
ذكر كلام ابن وضاح في وقوع فتنة الكفر والضلالة في الأمة والأدلة على ذلك


وقال ابن وضاح في كتاب ( البدع والحوادث ) بعد حديث ذكره: أنه سيقع في هذه الأمة فتنة الكفر وفتنة الضلالة، قال -رحمه الله- إن فتنة الكفر هي الردة يحل فيها السبي والأموال، وفتنة الضلالة لا يحل فيها السبي والأموال، وهذا الذي نحن فيه فتنة ضلاله لا يحل فيها السبي ولا الأموال.
وقال -رحمه الله- أيضا: أخبرنا أسد أخبرنا رجل عن ابن المبارك قال: قال ابن مسعود إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليًّا من أوليائه يذب عنه وينطق بعلامتها، فاغتنموا حضور تلك المواطن، وتوكلوا على الله.
قال ابن المبارك وكفى بالله وكيلًا، ثم ذكر بإسناده عن بعض السلف قال: لأن أرد رجلًا عن رأي سيئ أحب إليَّ من اعتكاف شهر.
أخبرنا أسد عن أبي إسحاق الحذاء عن الأوزاعي قال: كان بعض أهل العلم يقولون لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة، ولا صدقة ولا صيامًا ولا جهادًا ولا حجًّا ولا صرفًا ولا عدلًا، وكانت أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم وتشمئز منهم قلوبهم، ويحـذرون الناس بدعتهم.
قال: ولو كانوا مستترين ببدعتهم دون الناس ما كان لأحد أن يهتك عنهم سترا، ولا يظهر منهم عورة، الله أولى بالأخذ بها أو بالتوبة عليها، فأما إذا جاهروا به فنشر العلم حياة، والبلاغ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رحمة يعتصم بها على مُصِر ملحد.
ثم روى بإسناده قال: جاء رجل إلى حذيفة وأبو موسى الأشعري قاعد فقال: أرأيت رجل ضرب بسيفه غضبًا لله حتى قتل، أفي الجنة أم في النار؟ فقال أبو موسى في الجنة! فقال: حذيفة استفهم الرجل وأفهمه ما تقول حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فلما كان في الثالثة قال: والله لأستفهمه فدعا به حذيفة فقال: رويدك وما يدريك أن صاحبك لو ضرب بسيفه حتى ينقطع فأصاب الحق حتى يقتل عليه فهو في الجنة، وإن لم يصب الحق ولم يوفقه الله للحق فهو في النار. ثم قال: والذي نفسي بيده ليدخلن النار في مثل الذي سألت عنه أكثر من كذا وكذا.
ثم ذكر بإسناده عن الحسن قال: لا تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك. ثم ذكر بإسناده عن سفيان الثوري قال: من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره، وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله النار، وإمـا أن يقول والله ما أبالي ما تكلموه، وإني واثق بنفسي، فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه.
ثم ذكر بإسناده عن بعض السلف قال: من أتى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام.
أخبرنا أسد قال: حدثنا كثير أبو سعيد قال: من جلس إلى صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه. أخبرنا أسد بن موسى قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب قال: قال أبو قلابة لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون. قال: أيوب وكان والله من الفقهاء ذوي الألباب.
أخبرنا أسد بن موسى قال أخبرنا زيد عن محمد بن طلحة قال: قال إبراهيم لا تجالسوا أصحاب البدع، ولا تكلموهم فإني أخاف أن ترتد قلوبكم.
أخبرنا أسد بالإسناد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل .
أخبرنا أسد أخبرنا مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن أيوب قال: دخل على محمد بن سيرين يومًا رجل فقال: يا أبا بكر أقرأ عليك آية من كتاب الله لا أزيد على أن اقرأها ثم أخـرج، فوضع إصبعيه في أذنيه ثم قال: أحرَّج عليك إن كنت مسلمًا لما خرجت من بيتي. قال: فقال يا أبا بكر إني لا أزيد على أن أقرا ثم أخرج. قال: فقام بإزاره يشده عليه وتهيأ للقيام، فأقبلنا على الرجل فقلنا قد حرَّج عليك إلا خرجت، أفيحل لك أن تخرج رجلا من بيته. قال: فخرج، فقلنا: يا أبا بكر ما عليك لو قرأ آية ثم خرج. قال: إني والله لو ظننت أن قلبي يثبت على ما هو عليه ما باليت أن يقرأ ولكنني خفت أن يلقي في قلبي شيئًا أجهد أن أخرجه من قلبي فلا أستطيع.
أخبرنا أسد قال: أخبرنا ضمرة عن سودة قال: سمعت عبد الله بن القاسم وهو يقول: ما كان عبد على هوى فتركه إلا آل إلى ما هو شر منه. قال: فذكرت هذا الحديث لبعض أصحابنا فقال: تصديقه في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية ثم لا يرجعون حتى يرجع السهم إلى فوقه .
أخبرنا أسد قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن زيد عن أيوب قال: كان رجل يرى رأيًا فرجع عنه، فأتيت محمدًا فرحًا بذلك أخبره، فقلت: أشعرت أن فلانًا ترك رأيه الذي كان يرى. فقال: انظروا إلى ما يتحول، إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله يمرقون من الإسلام لا يعودون إليه .


نقل هاهنا في هذه الآثار وما بعدها عن ابن وضاح محمد الوضاح ذكرنا: أن رسالته هذه مطبوعة، اسمها البدع والنهي عنها ذكر فيه هذه الآثار بأسانيده؛ وذلك لأنه قريب من عهد السلف، هو يروي فيها بأسانيده عن هؤلاء السلف -رحمه الله-.
فيقول: بعد حديث ذكره، حديث فيه أنه سيقع في هذه الأمة فتنة الكفر، وفتنة ضلالة. قد يُقال: كيف يقع فيهم فتنة الكفر، وهم أمة معصومة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون فيكف يرجعون إلى الكفر؟
والجواب: أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقل إنهم يرجعون كلهم، بل أخبر بأنهم يرجعون إلا طائفة في قوله: وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، من هي؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم، وأصحابي .
وبشر بقوله: لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى .
لا شك أن هذا دليل على أنهم يثبتهم الله تعالى -هذه الطائفة- مع كثرة من خالفها.
وبكل حال أخبر في هذا الحديث أنه سيقع في هذه الأمة فتنة الكفر فيقول: إن فتنة الكفر هي الردة عن الإسلام؛ وذلك لأن كثيرا من البدع فيها كفر، وفيها ردة عن الإسلام، فمثلا: الذين يعبدون الأموات يدعونهم مع الله، أو يدعونهم من دون الله أليس هذا كفرا ؟ أليسوا قد عصوا قول الله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ الظالمون: هم الكفار قال الله تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ أليس هذا من البدع المكفرة ؟ هذه فتنة كفر.
وكذلك بدعة الذين يطعنون في القرآن، ويدعون أن الصحابة قد خانوا فيه، وأخفوا منه أكثر من ثلثيه، أليس هذا من الكفر؟ تكذيب لحجة الله على خلقه، وهو القرآن؟
كذلك بدعة الذين يقولون: إن الأولياء أفضل من الرسل، إن الولي يأخذ من اللوح المحفوظ، وأن قلبه يطلع على الغيب، وأنه يعلم ما لا يعلمه الأنبياء؛ ولأجل ذلك يفضلون الأنبياء، فيفضلون الأولياء على الأنبياء والرسل. أليس هؤلاء قد كفروا ؟ حيث إنهم تركوا الوحيين، وصاروا يعتمدون على ما يقوله هؤلاء الذين يعظمونهم بحيث إن أحدهم يقول: حدثني قلبي عن ربي، ويقول فيهم بعض الشعراء يقول:
إن قلـت: قـال اللـه، قـال رسوله
همــزوك همــز المنكر المتغالي
أو قـلت: قـد قال الصحابة والألى
تبعوهـمُ فـي الـقـول والأفـعـال
أو قـلـت: قـال الآل آل المصـطفى
صلى عليــه اللــه أفضــل آل
أو قلـت: قـال الشـافعي ومـالـك
وأبــو حنيـفــة والإمـام العالي
أو قلت: قـال صحـابهم مـن بعدهم
فالكل عنـــدهم كشــبه خيــال
ويقـول قلبـي: قـال لـي عن سره
عن سر سـري عـن صفا أحـوالي
عن حضرتي عن فكرتي عـن خلوتي
عـن شـاهدي عن واردي عن حالي
عن صفو وقـتي عن حقيقة مشهدي
عن سر ذاتي عـن صفـات فعـالي
دعوى إذا حققـتهـــا ألفيتهـا
ألقـــاب زور لفقـــت بمحال
هؤلاء فتنتهم فتنة كفر.
فيقول -رحمه الله- إن فتنة الكفر هي الردة يحل فيها السبي، وتحل فيها الأموال. أما فتنة الضلالة: التي هي معاص ونحوها فلا يحل فيها السبي والأموال.
ثم يقول ابن وضاح وهذا الذي نحن فيه -أو يقوله المؤلف- فتنة ضلالة؛ لا يحل فيها السبي، ولا الأموال.
ثم يقول ابن وضاح رحمه الله: أخبرنا أسد أخبرنا رجل عن ابن المبارك قال: قال ابن مسعود إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عنه، وينطق بعلاماتها.
ما أحدث أحد حدثا ولا ابتدع بدعة إلا قيض الله من يرد عليه. في قديم الزمان لما حدَّث الخوارج بَيَّنَ الصحابة الأحاديث الواردة فيهم وردوها، وبينوا ضلالتهم.
وكذلك أيضا لما حدثت بدعة المعتزلة؛ واصل بن عطاء وغيرهم رد عليهم السلف: كالحسن البصري وغيره، وحذروا من بدعتهم.
ولما حدثت بدعة التعطيل في الجعد بن درهم قيض الله له من يرده، بل ومن يقتله، وجاء بعده الجهم بن صفوان الذي قتله سلم بن الأحوذ ؛ وذلك لأنه أظهر بدعة التعطيل.
ثم جاء بعدهم ابن أبي ذؤاد فقيض الله له ولمن معه الأئمة كالإمام أحمد فردوا بدعتهم، وبينوا ضلاتهم، وكلما تجدد مبتدع جعل الله في الأمة من يرد عليه، وإلى زماننا هذا.
إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عنه، وينطق بعلاماتها -ينطق يعني يتكلم بعلامة البدعة- فاغتنموا حضور تلك المواطن -يعني: المواطن التي ينتصر فيها لله تعالى- وتوكلوا على الله، ثم قال ابن المبارك رحمه الله: وكفى بالله وكيلا، من توكل عليه كفاه.
ثم ذكر ابن وضاح بإسناده عن بعض السلف قال: لأن أرد رجلا عن رأي سيئ أحب إلي من اعتكاف شهر؛ إذا أنقذته من بدعة ورددته وأنقذته من هذه الأهواء فهو أحب إلي من اعتكافي شهر، مع أن الاعتكاف عبادة في المسجد، ولكنك أنقذت رجلا من الضلالة.
ثم يقول: أخبرنا أسد عن أبي إسحاق الحذاء عن الأوزاعي قال: كان بعض أهل العلم يقولون: لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة، ولا صدقة ولا صياما، ولا جهادا، ولا حجًّا، ولا صرفا، ولا عدلا.
وعيد شديد. صاحب البدعة سواء بدعة اعتقادية، أو بدعة عملية ما يقبل الله صلاته، ولا صيامه، ولا صدقاته، ولا جهاده، ولا حجه، ولا أعماله الحسنة؛ وذلك لأنه يرى أن الدين ناقص حتى أضاف إليه بدعته، أو يرى أن ما ابتدعه وانتحله أفضل مما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول: كانت أسلافكم تشتد على المبتدعة ألسنتهم؛ يعني يشددون في ألسنتهم على كل مبتدع، وتشمئز منه قلوبهم، إذا رأوا المبتدع اشمأزت منهم قلوبهم، ويحذرون الناس بدعتهم؛ احذروا بدعة فلان، احذروا هذا فإنه مبتدع.
يقولوا: ولو كانوا مستترين ببدعتهم دون الناس ما كان لأحد أن يهتك عنهم سترا، ولا يظهر منهم عورة؛ لو كانوا يتسترون ولا أحد يدري بهم ولا يعلم بهم، ولو أظهروا ما كانوا يخفونه كالمنافقين الذين في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يتسترون بالإسلام، الله تعالى يتولى أمرهم، فلو كانوا مستترين؛ ما جاز لأحد أن يفتش عنهم، ولا يهتك لهم سترا، الله أولى بالأخذ بهم إما أن يؤاخذهم عليها، أو يتوب عليهم.
أما إذا جاهروا ونشروا بدعتهم، وأعلنوا بدعهم، وكتبوا فيها الكتابات، ونصروها وردوا على أهل السنة؛ فيجب حينئذ نشر العلم الذي هو علم السنة.
نشر العلم حياة، والبلاغ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رحمة اعتصموا بها على كل مُصِرٍّ ملحد. هذا نقله عن بعض أهل العلم.
ثم روى بإسناده قال: جاء رجل إلى حذيفة وأبو موسى الأشعري قاعد -فقال: أرأيت رجلا ضرب بسيفه غضبا لله حتى قتل أفي الجنة أم في النار؟ فكان أبو موسى عنده فقال: في الجنة، فتوقف حذيفة وقال: استفهم الرجل وأفهمه ما تقول –وأفهمه- حتى فعل ذلك ثلاث مرات، وهو يقول لأبي موسى استَفْهِم الرجل اطلب منه التثبت، وأفهمه ما تقول، ولما كان في الثالثة قال أبو موسى والله لا أستفهمه.
ضرب رجل –ضرب- بسيفه ضرب غضبا لله حتى قتل، وأقول: إنه في النار؟ الرجل دعاه حذيفة فقال: رويدك، وما يدريك أن صاحبك ضرب بسيفه حتى ينقطع، فأصاب الحق حتى يقتل عليه، فهو في الجنة، وما يدريك؟
يقول: يمكن أن هذا الرجل كان مبتدعا مثل الخوارج، الخوارج قاتلوا المشركين. ومثل: المنافقين، فهل نقول إنهم في الجنة؟ وهل نقول إن قتالهم غضب لله؟ قد يكونون مبتدعين؛ فلأجل ذلك لا نجزم بأنهم في الجنة، بل نتوقف فيهم. إن صح أن صاحبك إن كان ضرب بسيفه حتى ينقطع فأصاب الحق حتى يقتل عليه؛ فهو في الجنة، وإن كان لم يصب الحق يقاتل على بدعة، يقاتل على باطل حتى يقتل عليه لم يصب الحق؛ فهو في النار، ثم قال: والذي نفسي بيده ليدخل النار في مثل الذي سألت عنه أكثر من كذا وكذا.
يقول: إن هناك من يقاتلون على بدعة، ويصرون عليها خوارج، معتزلة، ومتصوفة قبوريون؛ يقاتلون على ما هم عليه ويعتقدون أنهم على صواب، ولكن مع ذلك هم بعيدون عن الصواب.
ثم ذكر بإسناده عن الحسن -رحمه الله- قال: لا تجالس صاحب بدعة؛ فإنه يُمرض قلبك؛ صاحب بدعة يعني إذا رأيته وهو مبتدع وعلمت بأنه مبتدع؛ لا تجالسه ولا تؤانسه، بل عليك أن تبعده وأن تقاطعه فإنه يمرض قلبك؛ يعني يشكك من جالسه يشككهم في السنة، وفي العقيدة السلفية، ويمدح البدعة.
وهكذا حصل لكثير حتى بعض الخلفاء، نعرف مثلا الخليفة المأمون العباسي لما أنه جالس ابن أبي ذؤاد ونحوه من المبتدعة، زينوا له القول بخلق القرآن، وإنكار كلام الله، فحمله ذلك على أن ابتدع، وأكره الأئمة والعلماء على أن يقولوا ذلك، ومال إلى ذلك بعضهم تقية إلى أن نصر الله الإسلام.
ثم ذكر بإسناده عن سفيان الثوري قال: من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره، وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله النار، وإما أن يقول: والله ما أبالي ما تكلموه وإني واثق بنفسي، فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه.
من جالس صاحب بدعة وقع في واحدة من هذه الثلاث، وأشدها أن يكون فتنة لغيره، إذا رأوا هذا الإنسان يجالس هؤلاء المبتدعة قالوا: هؤلاء على حق؛ فيجالسونهم وينتشر الشر وتنتشر البدعة؛ ويكون السبب هو هذا العالم، أو نحوه الذي جالس هذا المبتدع.
أو أمر ثاني: يقع في قلب هذا الجليس شيء من الفتنة؛ فيزل ويرى أن المبتدعة على حق وأنهم على صواب، فيحسن بدعتهم ويكون منهم؛ فيدخله الله النار.
أو يقول: ما أبالي ما تكلمونه أنا واثق بنفسي وأنا على عقيدتي، ولو جالسته فإني لا أتحول ولو كلمته.
نقول: إنك أمنت على دينك، إنك أمنت على نفسك، من أمن الله على دينه طرفة عين سلبه الله إياه، ما يدريك أنك واثق بنفسك؟
ثم ذكر بإسناده عن بعض السلف قال: من أتى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام.
إذا وقر صاحب بدعة واحترمه، ورفع مكانته ورأى له قدرا، فإنه قد أعان على هدم الإسلام؛ وذلك لأن المبتدعة أعداء للسنة، وأعداء للإسلام الحقيقي.
ثم يقول: أخبرنا أسد قال: حدثنا كثير أبو سعيد قال: من جلس إلى صاحب بدعة نزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه؛ إذا جلس إلى صاحب بدعة أو جالسه نزع الله تعالى منه العصمة؛ يعني لم يعصمه من ذلل، ووكله إلى نفسه، من وكله الله تعالى إلى نفسه وكله إلى ضيعة، وأخيف عليه الذلل.
يقول: أخبرنا أسد بن موسى أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب قال: قال أبو قلابة لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم. كأنه يحذر العامة؛ أهل الأهواء يعني أهل البدع لا تجالسوهم ولا تجادلوهم؛ فإن عندهم جدل، وعندهم خصومات، وعندهم شبهات، فيشبهون على العامة الذين ليس عندهم عقيدة راسخة، فيخيل إلى العامي أنهم على صواب؛ فلذلك قال: لا تجالسوا أهل البدع أهل الأهواء ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون.
وهذا يقع كثيرا، فالذين يجالسون أهل البدع، أو أهل المعاصي، أنهم لا يُؤمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أن يدخلوكم في بدعهم، وأن يحرفوكم عن العقيدة، وأن يلبسوا عليكم دينكم، وأن يصرفوكم عما كنتم تعرفون.
قال أيوب: وكان أيوب السختياني -رحمه الله- كان من الفقهاء هذا كلام أيوب وكلام أبي قلابة يقول أيوب في أبي قلابة وكان والله من ذوي الألباب.
ثم يقول: أخبرنا أسد بن موسى قال: أخبرنا زيد عن محمد بن طلحة قال: قال إبراهيم النخعي لا تجالسوا أصحاب البدع، ولا تكلموهم؛ فإني أخاف أن ترتد قلوبكم.
أيا كان أصحاب البدع لا تجالسوهم؛ مخافة أن يؤثروا فيمن جالسهم، ولا تكلموهم؛ فإنه لا يؤمن أن يقع كلامهم في قلوب من يجالسهم، أخاف أن ترتد قلوبكم.
ثم روى بإسناده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل المرء على دين خليله. خليله يعني صديقه وجليسه وأنيسه يقتدي به، فإن كان جليسه صالحا أصلحه الله واقتدى بجلسائه الصالحين، وإن كان جلساؤه ليسوا صالحين بل مبتدعة أو عصاة؛ فإنه يقتدي بهم، وفي هذا الحديث هذا المشهور: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل .
وأخذه ابن عبد القوي في نظمه، فقال:
عن المرء لا تسأل وَسَـلْ عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتــدي
لا تسأل عنه، واسأل عن جلسائه، فإذا كان جلساؤه من الصالحين رجي صلاحه، وإذا كان جلساؤه من المبتدعة أو جلساؤه من المنافقين أو من العصاة؛ أثروا فيه.
عن المرء لا تسأل وَسَلْ عن قرينه
فكل قرين بالمقـارن يقتدي
ويقول أيضا: يحذر من جلساء السوء يقول:
وصـاحب إذا صاحبت كـل موفق
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
كل موفق؛ يعني رجل صالح، فكل ذلك يحذر من مجالسة المبتدعة.
يقول: أخبرنا أسد أخبرنا محمد بن إسماعيل عن محمد بن زيد عن أيوب قال: دخل رجل على محمد بن سيرين -أحد علماء التابعين- يوما -دخل عليه رجل- فقال: يا أبا بكر أقرأ عليك آية من كتاب الله، لا أزيد على أن أقرأها ثم أخرج، فوضع إصبعيه في أذنيه محمد بن سيرين ثم قال: اخرج، أُحرِّج عليك إن كنت مسلما لما خرجت من بيتي. يقرأ عليه آية. أقرأ عليك آية من كتاب الله، ثم أخرج. محمد بن سيرين وضع إصبعيه في أذنيه وصاح به، وقال: أحرّج عليك لما خرجت من بيتي إذا كنت مسلما.
فقال: يا أبا بكر إني لا أزيد على أن أقرأها، ثم أخرج آية واحدة، أقرأها، ثم أخرج، يقول: فقام بإزاره يشده عليه، كان عليه إزاره، فقام يشد إزاره، وتهيأ للقيام ليدخل في داخل بيته، يقول: فأقبلنا على الرجل، فقلنا: قد حرج عليك ألا خرجت، أفيحل لك أن تحرّج رجلا في بيته، أو تخرج رجلا من بيته، فخرج. خرج هذا الرجل.
فسألوا: محمد بن سيرين يا أبا بكر مع عليك لو قرأ عليك آية ثم خرج، فقال: إني والله لو ظننت أن قلبي يثبت على ما هو عليه ما باليت أن يقرأ، ولكن خفت أن يلقي في قلبي شيئًا أجهد أن أخرجه من قلبي فلا أستطيع؛ وذلك لأن المبتدعة يأخذون بعض الآيات، ويقولون: إنها دليل لنا، وإننا نتبع هذه الآية، فلو قرأها خُيِّل إلى من يسمعها أن فيها دليل على شبهته، فكلما قرأها ذلك المسلم السني يظن أنه على صواب، فيجتهد في إخراج تلك الشبهة التي فهمها ذلك المبتدع من هذه الآية.
هم يستدلون ببعض الآيات، يستدلون –مثلا- على نفي الرؤية في قوله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ويظنون أن الإدراك هو الرؤية على حد فهمهم، ويستدلون على تخليد أهل الكبائر بقوله تعالى: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ فيقولون: إن هذا دليل على أن أهل الكبائر لا يخرجون.
فلو قرأ مثل هذه الآيات لأمكن أن يقع في قلب الذي يسمعها أن يقع في قلبه شيء من معنى تلك الآية؛ فيصعب عليه بعد ذلك أن يتخلص منها، فهذا هو السبب في أن ابن سيرين -رحمه الله- منعه من أن يقرأ عليه آية.
يقول: أخبرنا أسد قال: أخبرنا زمرة عن سودة قال سمعت عبد الله بن قاسم وهو يقول: ما كان عبد على هوى فتركه إلا آل إلى ما هو شر منه، فذكرت هذا الحديث إلى بعض أصحابنا، فقال: تصديقه في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتى يرجع السهم إلى فوقه .
وذلك لأن عادة المبتدعة أنهم يصعب تحويلهم عن بدعتهم؛ وذلك لأنهم يعتقدون أن ما هم عليه هو الصواب، وأنهم على خير، وإذا تحول منهم أحد فالعادة أنه ينتقل إلى شر مما كان عليه، ينتقل من بدعة إلى بدعة، أو يزيد بدعته بدعة أخرى، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر في الخوارج: يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يعني؛ خرجوا من الإسلام مثل خروج السهم من الرمية لا يرجعون حتى يرجع السهم إلى فوقه .
السهم: الذي يرمون به رأسه محدد، فإذا رمى به الرامي يضرب الرمية كالظبي مثلا أو الأرنب، فيدخل من جانب ويخرج من جانب. مرق من الإسلام؛ دخل وخرج، دخل في الإسلام وخرج، دخل إلى الإسلام.. يخرجون من الإسلام ثم لا يعودون إليه.