الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
حقيقة الحجاب والغيرة على الأعراض
8059 مشاهدة
الغيرة على الأعراض

* يجب على المسلم أن يكون غيورًا على محارمه؛ فإن المرأة التي هو وليها ملزم بأن يغار عليها، فيغار على امرأته وابنته وأخته وأمه ومحارمه كلهن؛ كي يحفظهن من الوقوع في الإثم أو مقدماته.
* والناظر إلى واقع الأمة اليوم يجد أن الغيرة قد انعدمت عند كثير من الرجال؛ وذلك لضعف الإيمان في قلوبهم، وتركهم تعاليم دينهم، وعدم الغيرة يظهر في صور عديدة، نذكر بعض هذه الصور للتنبيه والتذكير مع عدم التفصيل بها:
صور من عدم غيرة الرجل على محارمه
الصورة الأولى: ترك المرأة تسافر وحدها:
* قال -صلى الله عليه وسلم- لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم . وفي رواية: مسافة بريد . أي المسافة القليلة، بمعنى أن سفر المرأة وحدها ولو لمسافة قليلة قد نهى عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قد يعترضها من يكون ذا غرض سيئ، ويكون على علم بسفرها وحدها وهو من الفسقة والفجرة، فيعترضها ويحاول إيقاع الفاحشة بها. ولم يكن منع المرأة من السفر وحدها حتى ولو كانت مسافة قليلة إلا لحمايتها عن الوقوع في الآثام.
الصورة الثانية: ترك المرأة تخلو مع الرجل الأجنبي:
* لقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخلوة بالمرأة الأجنبية فقال -صلى الله عليه وسلم- لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم .
* فرخص -صلى الله عليه وسلم- للمسلم في الخلوة حال وجود رجل محرم لها؛ لأن المحرم يغار على محارمه.
* أما عن خطورة الخلوة فقد أخبر عن ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما .
* فالشيطان يوقع بينهما إذا كانا خاليين، فيجري على لسان المرأة أو الرجل شيئا من الكلام اللين الرقيق، فيحدث من ذلك فتنة أو ما يقرب من الفتنة.

* والمرأة مأمورة أن تحفظ نفسها ولسانها عن إيقاع اللين في كلامها، قال تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ والخضوع معناه اللين والرقة واللطف في الصوت والحديث؛ لأن ذلك مما يسبب ثوران الشهوة، ومعلوم أنها غريزة في الإنسان وأسباب إثارتها كثيرة، ورقة الكلام والخضوع من أسباب إثارتها. ومن ذلك الكلام في العورات وفي المحاسن، وما أشبه ذلك من كلام المرأة والرجل في العورات، والزينة والتجمل، وما يحب من الزينة، وما تحب هي من الزينة ونحو ذلك.
* ومن الوسائل المحرمة أيضا -كما ذكرنا- الخلوة بالأجنبيات، حتى ولو كان ذلك الخالي قريبًا لها أو قريبًا لزوجها، وهو ليس بمحرم لها. حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إياكم والدخول على النساء -يعني الأجنبيات- فقال رجل: أرأيت الحمو يا رسول الله، قال: الحمو الموت .
والحمو: هو قريب الزوج كأخيه وعمه وابن عمه ونحو ذلك، أي أن الناس لا يستنكرون دخوله في بيت أخيه الخالي من غير حليلة أخيه، فإن دخل وخلى بها لم يؤمن أن يوقع الشيطان بينهما، أو يجر بعضهما البعض إلى التلاقي؛ لأن في المرأة شهوة كما في الرجل، كلاهما له شهوة دافعة، وكل منهما يميل إلى الآخر، فهذا دليل على أن الرجل يجب ألا يأتي الأسباب التي يخاف من وقوع المنكر فيها، أو ينكر ذلك عليه.
ولكن ويا للأسف فإن هذه المسألة أصبحت وكأنها لا أهمية لها. والله المستعان.
الصورة الثالثة: ترك المرأة تدخل الأسواق متجملة متعطرة:
* إن كثيرًا من المسلمين -هداهم الله- لا يبالي بدخول امرأته في الأسواق، وهي بكامل زينتها وتجملها وتطيبها وتعطرها. وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم: أن من تتطيب، وتمر بالرجال ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا أي زانية . فَحَكَمَ عليها بالزنى، حتى أنه قد ورد أنها أُمرت بالغسل كغسل الجنابة إن فعلت ذلك، فلا تُقبل صلاتها حتى تغتسل. هكذا ورد في بعض الروايات. حتى ولو كانت ذاهبة إلى المسجد لسماع محاضرة أو حضور صلاة فقد نهيت عن التجمل، ونُهيت عن أخذ الزينة، فقال -صلى الله عليه وسلم- لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات .
* ولما كانت المرأة فتنة، وكان في خروجها ما يسبب الوقوع في الفاحشة أو الدعوة إليها منعت من الخروج إلى المسجد إلا في هذه الحالة، وهي: أن تخرج تفلة أي شعثة غير متجملة، ولا متطيبة في ثياب خلقة غير مرتدية ما يلفت النظر، ولما كان في عهد عائشة -رضي الله عنها- بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تبرج كثير من النساء وتجملن، قالت عائشة -رضي الله عنها- لو رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل.
وقفة مع غيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
* وكان الصحابة -رضوان الله تعالى- عليهم يغارون من خروج نسائهم، ولو كانوا في غاية الأمانة والتدين والصيانة، يخشون عليهن من الفسقة والفجرة وغيرهم.
* فمن ذلك قصة عمر -رضي الله عنه- وهو خليفة حيث كان له امرأة ترغب أن تصلي في المسجد، وتحب ذلك وهو لا يحب منها ذلك، ولا يستطيع أن ينهاها عن الخروج إلى المسجد، فلما رآها محبة لذلك والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله . فلم يجد بدًّا من الإذن لها، ولكنه تحيل عليها لكي يوقفها عن الذهاب، فترصد لها مرة في ظلمة من الليل، وهي خارجة إلى صلاة العشاء، فلما مرت به وعرفهما ضربها على ظهرها بيده وهرب؛ ليوهمها أنه من أهل الفساد. فرجعت إلى بيتها من ذلك الحين، ولم تخرج بعد ذلك أبدًا، فسألها: لماذا لا تخرجين إلى المسجد؟ فقالت: كنا نخرج والناس ناس، فأما الآن فالناس في صورة الذئاب. أو كما قالت رضي الله عنها.
* فهذه غيرة أمير المؤمنين رضي الله عنه، وكانت المرأة أمينة وموثوقة.
* فيجب على المؤمن أن يغار أشد الغيرة على محارمه، فلا يرخص لها أن تدخل إلى الأسواق التي تزدحم بالرجال ونحو ذلك، ولا يسمح لها أن تركب مع سائق منفردة به، أو يدعها تخلو في البيت بمن ليس بمحرم لها، وهكذا باقي الأسباب التي توقع في الفساد.
* وهكذا يتبين أن غيرة المسلمين على نسائهم سبب لحمايتهن وحفظهن، وبروز المرأة وخروجها سبب للفتنة، لحديثه -صلى الله عليه وسلم- حين مر به نسوة وهو ذاهب إلى البقيع فقال لهن: ارجعن مأزورات غير مأجورات، فإنكن تفتن الحي وتؤذين الميت .
* فجعل من أسباب أمرهن بالرجوع أنهن سبب لفتنة الأحياء؛ لأن النظر إليهن سبب للوقوع في الفتنة التي هي مقدمة الفاحشة أو نحو ذلك.
* وهكذا كانت غيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- على نساء المؤمنين، بل أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن مجرد النظر إليهن بشهوة يعد زنا، وإن لم يكن زنا حقيقيا، أي زنى فرج فيه الحد، فثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرِّجْلُ تزني وزناها المشي، والقلب يهوى ويتمنى، والفرجُ يصدق ذلك أو يُكذبه .
* لأن هذه الحواس إذا استخدمت في الحرام تكون من دوافع الزنا، فالعين إذا نظرت كان ذلك منها محرمًا، والأذن إذا سمعت كلامًا رقيقًا أو غناء أو موسيقى كان ذلك من الدوافع، وكذلك اليد إذا مست جسم امرأة أجنبية كان ذلك من الدوافع، والرِّجل إذا مشت نحو ما لا يحل المشي إليه كان ذلك حرامًا، ثم يهوي القلب ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
* ونفهم من ذلك أن الشريعة جاءت بالغيرة على المسلمات، المؤمنات وأمرهن بالتحجب، وعدم البروز حتى لا تحصل الفتنة، ومعلوم أن الفتنة التي نهانا الله عنها هي الفاحشة التي ذكرها الله بقوله: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا .
والفاحشة أمر عظيم وهو الذي يفحش في النفوس.
* ووصف الله المؤمنين بتجنبها بقوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا .
* انظر -حفظك الله- كيف جعل هذه الذنوب سببا لمضاعفة هذا العذاب، ومن جملتها الزنا -والعياذ بالله.
* وقد ثبت أن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني مع حليلة جارك متفق عليه والوسائل لها أحكام المقاصد.