جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
shape
محاضرات عن طلب العلم وفضل العلماء
22077 مشاهدة print word pdf
line-top
توفر وسائل تحصيل العلم في المملكة

في زماننا هذا إذا قلت: كيف أتعلم؟ نقول: إنك -والحمد لله- قادر وليس هناك صعوبة؛ فالوسائل قد توفرت وتيسرت وزالت تلك الصعوبات التي كان يلاقيها مشائخنا ومشائخ مشائخنا، وأصبح الأمر في متناول طالب العلم، فهناك تعلم رسمي وهذا لا يحتاج إلى ذِكره ولا إلى كيفيته لأن الأبوين يحرصون على تعليم أولادهم التعليم الرسمي الذي هو مراحل؛ مرحلة الابتدائية ثم المتوسطة ثم ثانوية ثم جامعية ثم تخصص، هذا شيء معروف حتى للإناث في الأزمنة المتأخرة.
وإذا كان كذلك فإن هذا أيضا يعتبر من وسائل طلب العلم، إذا وفق الله طالب العلم في هذه المراحل وأخلص واجتهد في طلب العلم وفي مراحله كلها، وأكب على العلوم الدينية التي هي أهم من غيرها، فإذا جاءت تلك العلوم والفنون الدينية ألقاها قلبه وألقاها روعه، واجتهد في الإصغاء إليها والاستفادة فإنه في كل مرحلة ينتج عنه معرفة، معرفة باللغة العربية وبالنحو، ومعرفة أيضا بالأحكام بالحلال والحرام، ومعرفة بالأحاديث وطرقها، ومعرفة أيضا بالتفسير وما يدور فيه وما يحتاج إليه وأشباه ذلك.
ولهذا لا ينتهي من المرحلة الجامعية إلا وقد صار جامعا، جامعا لكثير أو لأهم العلوم النافعة، وأما إذا كان نيته شغل الفراغ، أو نيته الحصول على المؤهل، أو نيته الحصول على وظيفة أو ما أشبه ذلك فالغالب أنه لا يستفيد؛ وذلك لأن همه إنما هو تجاوز هذه المرحلة بأي وسيلة وبأي سبب؛ فلأجل ذلك تجده بعد المرحلة الأولى لا يتذكر شيئا مما مر به، لو سألته لم يحفظ لك آية ولا حديثا ولا بيان حكم من الأحكام إلا ما قل، ولا شك أن هذا عين الإهمال.
كذلك أيضا إذا عرفنا أن هذه وسيلة، يعني: الطلب الرسمي فنقول: إن هناك أيضا وسائل أخرى يستطيع المسلم أن يطلب فيها العلم ويحصل على الفوائد، وإن لم تكن مراحل أو مدارس رسمية وذلك لأن وسائل الطلب -والحمد لله- قد تيسرت وتوفرت بدل ما كان فيها صعوبة وشدة، فنذكر بعضها على وجه الإشارة فنقول:
أولا: الحلقات العلمية التي يقيمها المشائخ في المساجد ونحوها؛ لا شك أنها مفيدة لطالب العلم إذا تابعها، فإذا ابتدأ في الطلب في حضور هذه الحلقات سمع الكتب التي تشرح من أولها إلى آخرها فهو بهذا الشرح وبهذه الحالة يكون مصيغا لهذا المعلم؛ فيخرج كل يوم بفائدة وفوائد، فيستفيد في حياته، هذه وسيلة، وسيلة لها أهميتها.
ثانيا: عليه في هذه الحال أن يكتب ما يمر به من الفوائد؛ إما في دفاتر يخصصها لطلب هذه الفوائد، وإما على نُسخه التي يقابل بها فيعلق عليها ما يستفيده؛ وذلك لأن الكتابة تستقر ويجدها ولو بعد حين فإن في الحكمة يقال: ما حُفظ فر وما كتب قَر، أي: ثبت. فالكتابة سبب لبقاء المعلومات عند الاحتياج إليها، ويقول بعضهم:
العلـم صيـد والكتـابـة قيـده
قيـد صيـودك بالحبـال الواثقة
فمن الحمـاقة أن تصيد غـزالة
وتتركهـا بين الخـلائق طـالقة

فهكذا يحرصون على كتابة الفوائد، وإذا قُدر أن الإنسان من أهل الحفظ ومن أهل الذكاء فإنه يحفظ وإن لم يكتب، فهذه وسيلة.
هناك أيضا وسيلة ثانية وهي الاستفادة من المؤلفات التي يسرها الله، فقد توفرت الكتب - والحمد الله- وطبعت وحُققت وانتشرت، وأصبحت في متناول الأيدي؛ بحيث إنها توزع مجانا أو تُباع بأثمان رخيصة، وتوجد أيضا مُفهرسة ومُبوبة ومرتبة فليس في البحث فيها صعوبة؛ فعلى طالب العلم أن يعود نفسه البحث في هذه المؤلفات حتى يعرف المراجع، ويعرف مواضع المباحث، ويعرف مواضع المسائل؛ حتى إذا احتاج إلى مسألة تناول أي كتاب وعرف موضعها بسرعة، وعرف حكمها.
ولا شك أن هذه من نعم الله تعالى علينا توفُّرها، لقد كان أجدادنا يعز على أحدهم الحصول على كتب؛ وذلك لأنها لا توجد إلا خطية، فأحدهم يستعير الكتاب شهرا، ثم يكتبه بقلم، وليست الأقلام أيضا مثل أقلامنا إنما هي أقلام من الأعواد، يُصلح أحدهم قلما من قصب أو نحوه، وكذلك المداد يصلحونه أيضا، وكذلك الأوراق قد لا تكون أيضا متوفرة، فلا شك أن هذه منة، يعني: ما يسر الله تعالى من وجود هذه المؤلفات وسهولة الحصول عليها بأرخص الأثمان.
كذلك أيضا الوسائل الأخرى التعلم من الأشرطة التي يسرها الله تعالى، وما كان الأولون يفكرون فيها ولا يحلم أحدهم بوجودها، ولكن هذه من الوسائل التي يسرها الله تعالى، فطالب العلم يستطيع أن يستفيد بسماع الأشرطة وهو على فراشه، أو وهو في سيارته فيشتريها بثمن يسير أو توزع له مجانا ويستفيد منها ....

line-bottom