إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة logo (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
shape
الحسد
31541 مشاهدة print word pdf
line-top
علاج الحسد بالعمل

وأما العمل: فهو أن يأتي بالأفعال المضادة لمقتضيات الحسد فإن بعثه الحسد على القدح فيه كلف لسانه المدح له، وإن حمله على التكبر عليه كلف نفسه التواضع له، وإن حمله على قطع أسباب الخير سعى في إيصال الخير إليه، حتى يصير المحسود محبوبًا محبًّا له، على حد قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت:34) فذلك التكلف يصير في النهاية طبعًا .
وقد ذكر ابن القيم أن شر الحاسد يندفع عن المحسود بعشرة أسباب: أحدها: التعوُّذ بالله من شره، والتحصن به واللجوء إليه. الثاني : تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله حفظه ولم يكله إلى غيره.
الثالث : الصبر على عدوه، فلا يقاتله ولا يشتكيه، ولا يحدث نفسه بأذاه، فما نصر على حاسده بمثل الصبر، والتوكل على الله، ولا يستطيل الإمهال له، وتأخير الانتقام منه.
الرابع : التوكل على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه، فالتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، فمن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره.
الخامس : فراغ القلب من الاشتغال به ، والفكر فيه، فيمحوه من باله، ولا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يشغل قلبه بالفكر فيه، فمتى صان روحه عن الفكر فيه، والتعلق به، فإن خطر بباله بادله إلى محو ذلك الخاطر، والاشتغال بما هو أنفع له، بقي الحاسد يأكل بعضه بعضًا .
السادس: الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها، بحيث تبقى خواطره وهواجسه كلها في محاب الله، والتقرب إليه ، فيشغل بذلك عن الحاسد وحسده، ويكون قلبه معمورًا بذكر ربه والثناء عليه ، غير متشاغل بغيره. السابع: تحرِّيه التوبة من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه ، فما سلط على العبد أحد إلا بذنبه، فعليه المبادرة إلى التوبة والاستغفار، فما نزل بالعبد بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.
الثامن : الصدقة والإحسان مهما أمكن فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، وشر الحاسد، فلا يكاد الأذى والحسد يتسلط على متصدق، فإن أصابه شيء كان معاملا باللطف والمعونة والتأييد.
التاسع: إطفاء نار الحاسد والباغي والظالم بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذاه وشره وبغيه، ازددت إليه إحسانًا وله نصيحة ، وعليه شفقة لقوله تعالى : ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ (المؤمنون:96)
العاشر : تجريد التوحيد لله تعالى ، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم ، والعلم بأنها بيد الله تعالى، فهو الذي يصرفها عنه و حده إلى آخر كلامه، وقد لخصت هذا من كلامه على آخر سورة الفلق في (بدائع الفوائد) فليراجع.

والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

line-bottom