إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
52223 مشاهدة
الوسطية في العبادات

...............................................................................


... هذه الشريعة؛ أن شريعة الله تعالى توسط فيها أهل السنة، فصاروا وسطا في العبادات. ينبغي أن يكون العبد متوسطًا في العبادات لا غلو ولا جفاء.
في باب العقيدة كما سمعنا أهل السنة وسط؛ وسط في باب الصفات بين المعطلة وبين الممثلة، وسط في باب أفعال الله تعالى وأسماء الإيمان والدين؛ أفعال الله تعالى بين القدرية وبين المجبرة، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الوعيدية وبين المرجئة، وفي الصحابة بين الرافضة وبين الخوارج ونحو ذلك.
يقال هكذا أيضا التوسط في العبادات كلها فإن فيها من غلا وفيها من جفا، وخير الأمور أوساطها. نشاهد كثيرا في باب الطهارة يشددون على أنفسهم ويغسلون الأعضاء عشر مرات أو أكثر ويدلكونها الدلك الشديد؛ هؤلاء موسوسون؛ وصل بهم الأمر إلى هذا الحد من الغلو، بينما نشاهد آخرين لا يسبغون الوضوء، بل يكادون أن يمسحوا الأعضاء مسحا؛ فهؤلاء جفوا وهؤلاء غلوا، والتوسط هو غسل الأعضاء إلى أن يأتي عليها الماء، وإمرار اليد عليها حسب القدرة، وكذلك يقال في الاغتسال ونحوه.
يشاهد أيضا في القراءة أن هناك من يغلو في التشدد، وهناك من يبالغ في التساهل، وكذلك في إخراج الحروف ونحوها، ذكر بعض العلماء أمثلة لذلك كما ذكر ابن الجوزي وغيره أن هناك من يبالغ في القراءة وما أشبهها حتى قال: إن بعضهم يخرج بصاقه إذا أراد أن ينطق بالضاد من شدة تكلفه؛ وهذا غلو، والذين مثلا يتساهلون فيسقطون كثيرا من الحروف بسرعتهم مثلا أو لا يبالون بإظهارها حتى في الفاتحة هؤلاء جفوا.
كذلك في الصلاة ذكر ابن قدامة وغيره أنهم شاهدوا بعضهم في التكبير يبالغ أشد المبالغة حتى يكرر الكاف إذا قال: الله أكبر يؤكدها فيقول: الله (أكككبر)، وكذلك في التحيات يقول: (التتتحيات)؛ فمثل هذا مبالغة لا شك أيضًا أنه غلو؛ بينما هناك آخرون يتساهلون في ذلك فيخففون التكبيرة ولا يأتون بها كما ينبغي؛ فعرف بذلك أن دين الله تعالى وسط بين الغلاة وبين الجفاة فلا مبالغة يعني: توصل إلى حد الغلو ولا تساهل يوصل إلى حد الجفاء.
هذا في العبادات وكذلك في الاعتقادات فخير الأمور أوساطها، والله تعالى قد جعل الأمة وسطا: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا وفرقة أهل السنة وسط كما قلنا، وفي البقية ما يوضح ذلك إن شاء الله.