الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
39904 مشاهدة
الثناء على الله تعالى

[لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفؤ له ولا ند له، ولا يقاس بخلقه -سبحانه وتعالى- فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا، وأحسن حديثا من خلقه].


الشرح
بعدما ذكر المصنف -رحمه الله- منهج أهل السنة في الأسماء والصفات وأنهم يثبتون لله تعالى الأسماء الحسنى والصفات العلى على الوجه اللائق به -سبحانه وتعالى- إثباتا بلا تشبيه ولا تمثيل، وينفون عنه النقائص والعيوب، نفيا بلا تحريف ولا تعطيل، علل ذلك المنهج المتوازن بالثناء على الله تعالى، وأنه ليس كمثله شيء في أسمائه وصفاته.
* قوله: (لأنه سبحانه لا سمي له).
أي: لأنه -سبحانه وتعالى- لا نظير يساميه، قال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65].
* قوله: (ولا كفؤ له).
أي: لا مكافئ ومماثل له سبحانه في أسمائه التي بلغت الغاية في الحسن، وصفاته التي بلغت الغاية في العلو والسمو، قال تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4].
* قوله: (ولا ند له).
أي: لا شبيه له -سبحانه وتعالى- قال تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22].
ومعنى السمي والكفؤ والند متقارب، وهو المثيل والنظير.
* قوله: (ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى).
أي: أنه -سبحانه- لا يقاس بخلقه قياسا يقتضي المساواة بينه وبينهم، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته؛ لأنه قياس مع الفارق العظيم بينه وبينهم، فهو الإله الحق وما سواه عبد له.
وهو الخالق وغيره مخلوق، وهو المتسمي بالأسماء الحسنى، المتصف بالصفات العلى، فلا يجوز قياسه على خلقه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11].
* قوله: (فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره).
أي: أنه -سبحانه وتعالى- أعلم بذاته وبأسمائه وبصفاته وبأفعاله، وكذلك فهو أعلم بخلقه؛ لأنه هو الذي خلقهم وصورهم ورباهم بنعمه، فكيف لا يكون الأعلم بهم؟! أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: 14]. وهو عَلَّامُ الْغُيُوبِ [التوبة: 178]. وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110]. فعلم الله تعالى شامل وكامل لذاته سبحانه ولخلقه.
فهو أعلم بمراده من أسمائه الحسنى وصفاته العلى التي ذكرها في كتابه الكريم، وذكرها رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- في سنته المطهرة.
فكأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول للمبتدعة: إذا كنتم تعلمون ذلك، فلماذا تتقدمون بين يديه، وتحرفون الكلم عن مواضعه، وتلحدون في أسمائه وآياته، وتمثلون وتشبهون صفاته بصفات خلقه؟!.
* قوله: (وأصدق قيلا).
أي: وهو كذلك سبحانه أصدق من تكلم، وليس بحاجة إلى أن يتكلم بغير الواقع -سبحانه وتعالى- قال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء: 122].
* قوله: (وأحسن حديثا من خلقه).
أي: أن كلامه سبحانه -كذلك- أحسن كلام، وكلامه بلا شك، ولا ريب أحسن من كلام خلقه؛ لأنه هو الذي خلقهم وهو الذي أنطقهم: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ [البلد:8 ،9].
فكلامه أحسن كلام، وأوضح كلام، وأبين كلام، فيجب علينا أن نصدقه سبحانه تصديقا تاما فيما يخبر به عن نفسه أو عن خلقه، فهو سبحانه ذو العلم التام الكامل الشامل بنفسه وبخلقه، وهو أصدق قيلا وأحسن حديثا.
فمن وقع في تحريف أو تعطيل أو تشبيه أو تمثيل في أسماء الله تعالى وصفاته، فإنه لم يقدر الله حق قدره، ولم يعظمه حق تعظيمه، ولم يتيقن أن الله أعلم بنفسه من خلقه، وأنه أصدق قيلا، وأحسن حديثا من خلقه، والعياذ بالله تعالى من ذلك.