إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
49567 مشاهدة
باب: إلى من ينكح وأي النساء خير وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب

باب إلى من ينكح وأي النساء خير، وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب.
قال أبو عبد الله حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب قال: حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده .


يعني أن الإنسان عليه أن يحرص على اختيار الزوجة الصالحة سيما التي لها شرف، ولها فضل، ولها حسن عمل، أخبر في هذا الحديث بأن نساء قريش الصالحات أفضل، خير نساء العرب صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره يعني: المرأة الصالحة من قريش تفضل غيرها ولو كان غيرها صالحا، ووصفها بأنها تحنو على أولادها في صغرهم؛ يعني تحجب عليهم وتحنو عليهم وترقق لهم وترحمهم وتربيهم التربية الصالحة وتحسن تربيتهم، وتحسن نظافتهم وإطعامهم وسقيهم وتعليمهم وغير ذلك، يعني في قلبها رقة ورحمة تحملها على الحنو على الأولاد إذا كانوا صغارا، وكذلك أيضا ترأف بزوجها في ذات يده، أي أنها ترحمه حتى لا تكلفه شيئا يشق عليه، ولا تطلب منه ما يكلفه من النفقة أو من الكسوة أو ما أشبه ذلك وتحفظه أيضا في ماله.
فتحفظ ماله إذا ائتمنت عليه، فهذا وصف النساء اللاتي يمدح مثلهن، ويحرص الرجل أن يتزوج من مثل هذه النساء، ومع ذلك فإنه ليس خاصا بنساء قريش، هذه الأوصاف توجد في غيرهن، ولكن إذا اتصفت بهذه الصفات اتصفت بصفتين: صفة شرف النسب؛ كونها من قريش، وصفة الصلاح كونها صالحة، ثم كان من آثار الصلاح هذه الأوصاف: أنها ترأف بولدها، وأنها تحنو عليه، وأنها أيضا ترأف بزوجها، وأنها تحفظه في ذات يده، وأنها لا تفسد ماله، ولا تكلفه الشيء الذي يشق عليه من بذل المال وما أشبه ذلك.
لا شك أن لهن شرف النسب، يعني فضل قريش امتازوا على غيرهم بكون النبي -صلى الله عليه وسلم- من قريش، فكان لهم الفضل، وشرف النسب مما يغالى فيه أو مما يحرص الزوج على أن تكون زوجته ممن لها نسب شريف، ولها ميزة ولها فضل على غيرها في النسب؛ يعني آباءها وأجدادها.
ولكن تعرفون أيضا الحديث المشهور إن لم يكن على شرط البخاري وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك يعني أن رغبات الناس في المرأة إنما تكون لهذه الأربع، أو لأحدها؛ فمنهم من يتزوجها لأن لها مال؛ يعني أنها من قوم أثرياء وأغنياء، فيقول: أتوسع في مالها وتعطيني وتنفق علي وتقرضني وتنفق على أولادي منها وما أشبه ذلك، وإذا ماتت ورثها أولادي أو ورثتها أو ما أشبه ذلك، وفي هذه الأزمنة أيضا حصلت الوظائف؛ فيتزوج امرأة موظفة يقول: حتى تساعدني في حياتي وما أشبه ذلك.
هذا قد يكون ضرره عليه؛ وذلك لأنها قد تفتخر عليه دائما، وتقول: أنا الذي أعطيتك وأنا وسعت عليك وأنا أنعمت عليك وأنا وأنا؛ فيلحقه بذلك مِنَّةً يشق عليه تحملها، كذلك أيضا قد يفسدها ذلك عليه؛ بمعنى أنها تعتز بنفسها؛ فلا تخضع له ولا تتواضع له ولا تطيعه فيما يطلب منها؛ لأنها معتزة بهذا المال.
كذلك مسألة الجمال لا شك أيضا أنه مقصود، وأن الرجل يختار المرأة ذات الجمال التي جميلة المظهر وجميلة المظاهر؛ يعني في وجها وفي بدنها جمال يجذب إليها ويحبها لأجله، ولكن قد يكون هذا أيضا سببا في اعتزازها وافتخارها عليه، ومع ذلك فإن النساء متقاربات في ذلك.
وأما مسألة الحسب الذي هو الشرف؛ يعني كونها من قوم لهم حسب ونسب وشرف من قوم لهم شرف آبائهم وأجدادهم وأقاربهم ونحو ذلك، هذا قد يكون أيضا مقصدا لكثير من الناس؛ فيحرص على أن يقول: أتزوج بنت هذا الكريم أو هذا الشجاع، أو هذا المشهور؛ مشهور بعلم مشهور برئاسة، مشهور آباؤها وأجدادها بمجدهم وبفضلهم وبشهرتهم، هذا هو الحسب. الحسب والنسب، وتعرفون أيضا أنه لا ينفع الفروع حسب الأصول، الأولاد لا ينفعهم كون آبائهم وأجدادهم أهل شرف وأهل كرم وأهل سؤدد وأهل رئاسة، إذا لم يكن الأولاد مثلهم.
إذا افتخرت بأقـوام لهـم شـرف
قلنا صدقت ولكن بئسمـا ولدوا
فلا ينفع الإنسان إلا فعله وما يفعله، وكذلك أيضا إذا اختار امرأة أهلها من أهل الشرف وأهل النعيم فقد لا ينتفع بها وقد تتكبر عليه.
ما بقي إلا أن يختار الصالحة في دينها، فهذا هو ما مدح به النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات الدين فاظفر بذات الدين تربت يداك، وكذلك أيضا وصف نساء قريش هاهنا التي مدحهن بكونهن صالحات، صالح نساء قريش، يعني ليس على العموم، إنما هي المرأة الصالحة، والصلاح يتركز على الصلاح في الدين، إذا كانت صالحة في دينها، ومتى كانت صالحة في دينها خدمت زوجها ورأفت به ورقت له، وكذلك أيضا أطاعته في نفسها وفيما يطلب منها، وكذلك أيضا تواضعت معه، بمعنى أنها تخدمه ولا تتكبر عليه ولا تتجبر، فيختار من كانت هذه صفتها.