تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
شرح القواعد الأربعة
25419 مشاهدة
عبادة الأنبياء والصالحين من دون الله

...............................................................................


لما حكى الله تعالى مقالة اليهود والنصارى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ .
فدل على أنهم مشركون بهذه الكلمات، وهي قولهم: عيسى ابن الله، عزير ابن الله، أنهم مشركون. فكذلك الذين قالوا: الملائكة بنات الله، أو الذين عبدوا الملائكة ودعوهم من دون الله، فالله تعالى يجمعهم مع الشياطين التي أضلتهم. فالنبي صلى الله عليه وسلم قاتل الجميع، وكفرهم وسماهم مشركين.
ولم يستثن من يعبد الصالحين؛ بل ذكر أنهم شرار الخلق في حديث أم سلمة لما ذكرت للنبي -صلى الله عليه وسلم- كنيسة اسمها مارية في أرض الحبشة وذكرت ما فيها من الصور، فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله فسماهم شرار الخلق، وما ذكر من فعلهم إلا أنهم يدفنون الرجل الصالح، ويبنون عليه مسجدا، ويصورون صورته عند قبره، ويتحرون الصلاة في ذلك المسجد، وأمام تلك الصورة، ويتحرون الدعاء والتعبد عنده، وذلك بلا شك دعاء لذلك الميت الصالح، مع أنه زَكَّاه النبي عليه السلام، وسماه رجلا صالحا؛ فدل على أنهم يعبدون الصالحين.
فكذلك القبوريون الذين يعبدون هذه المعبودات، فالله تعالى بَرَّأَ ملائكته من هؤلاء، وقال تعالى: وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أي: معبودين، لا يأمركم بعبادة هؤلاء الملائكة ولا النبيين، ولكن يأمركم بعبادة الله، أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ؟! فدل على أن مَنْ دعا الملائكة، أو عبدهم، وعبد النبيين فإنه يصبح كافرا.
والنبي صلى الله عليه وسلم قاتل الجميع، ما فرَّقَ بينهم، وسماهم جميعا مشركين، قال الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ هذه الآية في سورة الأنفال، وفي سورة البقرة ليس فيها التأكيد: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ .
فالمعنى: قاتلوا جميع هؤلاء المشركين، سواء كان شركهم بالأنبياء أو بغيرهم، حتى يكون الدين كله لله، الدين يعني: العبادة والطاعة تقربا، وجميع أنواع العبادة تكون كلها لله، فمن صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك.
ثم ذكر هذه الأدلة، تدل على أن هناك من يعبد غير الله من المشركين الأولين، كما كان في المشركين المتأخرين، فالذين يعبدون الصالحين ذكر الله تعالى عنهم قوله تعالى في سورة الإسراء: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا يعني: الذين تزعمون أنهم ينفعونكم، ادعوهم، هل يكشفون الضر عنكم؟ هل يقدرون على تحويله من حالة إلى حالة؟ أم من شخص إلى شخص؟ ثم قال بعدها: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ يعني: أولئك الذين تدعونهم أيها المشركون.
وفي قراءة: أولئك الذين تدعون يبتغون الوسيلة إلى الله، أي يتقربون إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة كوسيلة. والوسيلة هي: القربى- يعني: صلاتهم وسيلة، وعبادتهم وسيلة، ودعاؤهم وسيلة، وجهادهم وسيلة، وأذكارهم وقراءتهم. يبتغون الوسيلة إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، فأيهم أقرب: الداعي أم المدعو؟ المدعوون عباد صالحون، يبتغون الوسيلة إلى الله تعالى، وهؤلاء المشركون يدعونهم من دون الله، فأيهم أقرب؟!
ثم قال: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ يعني: أولئك الذين تدعونهم أيها المشركون. تعم هذه الآية كُلَّ مَنْ عبد صالحا، وذلك الصالح يدعو الله.
قيل: إنما المراد بها الذين يعبدون الأولياء، أو الذين يعبدون عيسى وأمه، أو الذين يعبدون العزير وقيل: إنها نزلت في أناس كانوا يعبدون الجن، فأسلم الجن، وتمسك هؤلاء بدينهم- يعني: بشركهم، وصاروا يعبدون الجن، فقال الله: أولئك الذين تدعونهم من الجن هم خير منكم؛ لأنهم الآن يبتغون الوسيلة إلى ربهم، يعني: يتقربون إليه بالأعمال الصالحة، فأيهم أقرب؟ أولئك المسلمون من الجن؟ أم هؤلاء المشركون من الإنس؟
والآية كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عامة في كل من يعبد صالحا، وذلك الصالح يعبد الله، سواء كان حيا أو ميتا. يعني: إذا كانت الأموات من الصالحين، فالمعنى: أن الذين تعبدونهم من الصالحين هم خير منكم، لأنهم عبدوا الله، وتقربوا إليه بالقربات، وأخلصوا له الدين، وابتغوا إليه الوسيلة، وخافوه، ورجوه، فيرجون رحمته، ويخافون عذابه، ولو كانوا أنبياء أو صالحين، فإن من كان بالله أعرف كان منه أخوف. فالأنبياء لما كانوا يعرفون الله حق معرفته كانوا أشد خوفا منه، وكذلك الصالحون، وكذلك الملائكة.