إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
شرح القواعد الأربعة
25425 مشاهدة
جهاد علماء الأمة في حفظ العقيدة والذب عنها

وتعرفون أن علماء هذه الملة، علماء هذه الأمة قد خدموا هذا العلم، وأولوه عناية كبيرة، فالأولون منهم جمعوا في مؤلفاتهم جميع العلوم، كأهل الحديث، أهل الصحيحين، وأهل السنن جمعوا جميع العلوم في مؤلفاتهم حسب ما وصل إليهم من العلم. ثم جاء بعدهم، أو في زمنهم، من أفرد كل قسم من أقسام العلوم على حدة: أفردوا علم العقيدة، وعلم التوحيد في كتب مفردة، وأفردوا أيضا علم الأحكام والحلال والحرام، وأفردوا علم الآداب والأخلاق، كما أفردوا أيضا العلوم الآلية: كعلم النحو والصرف وما أشبهها.
وكل أهل زمان يهتمون بما يرونه مهما في زمانهم. لما كانت القرون الثلاثة، في القرن الثاني والثالث، كان البدع التي حدثت تتعلق بعلم العقائد، أي: بتوحيد الأسماء والصفات عند ذلك اهتموا بما يردوا على أولئك المبتدعة من الصفاتية، الذين أنكروا أسماء الله تعالى، وأنكروا دلالة الأسماء على الصفات، وأنكروا أيضا حقيقة الإيمان، وأن الأعمال ليست من مسمى الإيمان، وأنكروا أيضا عموم قدرة الله تعالى على كل شيء. فكانت مؤلفات ذلك الوقت مليئة بالسنة التي أفردوها في علم التوحيد، تتعلق بتوحيد الأسماء والصفات، وبالإيمان، فسموا مؤلفاتهم بالأسماء والصفات، أو الاعتقاد، أو الإيمان، أو السنة، أو الشريعة، أو الإبانة، أو التوحيد- بهذه الأسماء. وكتبهم والحمد لله تيسرت في هذه الأزمنة، وطبعت وانتشرت وأصبحت في متناول الأيدي، وبها عرف أنهم عالجوا ما اشتهر في زمانهم من تلك البدع، وردوا على أولئك المبتدعة، وأكثروا من الرد عليهم؛ ليبطلوا بذلك شبهاتهم. ولا شك أيضا أن هناك كثير من المبتدعة جمعوا ما يقدرون عليه مما يكون مبررا لأقوالهم، ومما يكون ناصرا لمشايخهم. فحشدوا من الأقوال في مؤلفات لهم، ولكنَّ مؤلفاتهم لا تفيد شيئا. ولهذا قال فيها ابن القيم رحمه الله:
فانظر تـرَ، لكن نـرى لك تـركها
حـذرا عليك مصـائد الشيـطانِ
إنما تروج على السذج، وعلى ضعفاء البصائر، ومع ذلك فإنهم يعتمدون فيها على أمور عقلية، ليست قريبة من الشرع. فعرفنا بذلك أن أهل ذلك الزمان أَوْلَوْا هذا التوحيد عناية كبيرة، الذي هو توحيد الأسماء والصفات، ولم يكن حدث في أهلهم شرك في الإلهية إلا نادرا، لكن جاء بعدهم من غلا في الصالحين، وغلا في المقبورين، وعبدوا غير الله، وصرفوا حق الله تعالى من العبادة لأولئك الأموات، وعظموا الأموات تعظيما لا يصلح إلا لله تعالى، فكانوا بذلك مشركين. لما عظموا المشاهد -يعني القبور- بنوا عليها، وزخرفوها، وجعلوا عليها قببا، وسموها مشاهد، ثم عكفوا عندها، وذبحوا لها، وتمسحوا بها، وطافوا بها، ودعوا أربابها، ورفعوهم وجعلوا لهم التصرف، وجعلوا لهم حق الأخذ والإعطاء والمنع، والعلم بالغيبيات، وما أشبه ذلك؛ فوقعوا في الشرك الذي كان عليه مشركو العرب، والمشركون الأولون من الأمم.