إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
تفسير آيات النكاح من سورة النور
24664 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا


ثم قال تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وذكروا أن ذلك المنافق المشهور عبد الله بن أبي بن سلول كان له أمة مملوكة، وكان يكرهها، ويقول: اذهبي فابغي لنا، ماذا تفعل؟ اذهبي فابغي يعني فازني حتى تأتي بمال مقابل الفعل بها؛ يكرهها، فتذهب وتبذل نفسها لمن يزني بها مقابل أن يعطيها دراهم قليلة تأتي بها إلى ذلك السيد، وتقول: هذا من آثار البغاء.
وقد عرف أيضًا أنه محرم أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم مهر البغي؛ يعني المال الذي تجمعه من زناها أنه جعله حرامًا وخبيثا؛ فلا يجوز أن تكره على الزنا لأجل المال سواء كانت زوجة أو بنتًا أو أختًا أو نحو ذلك.
ولا يجوز لها أيضًا أن تبذل نفسها مقابل أن تعطى مالًا فإن ذلك أيضا من الحرام ذلك المال سحت وهو ما يبذل للمرأة مقابل أن تفعل بها الفاحشة، فلا يجوز للزوج مثلًا أن يقول لامرأته: نحن في حاجة إلى المال اذهبي فازني مكني من أرادك من أن يفعل بك، واشترطي عليه أن يدفع لك مائة أو مائتين عن كل مرة يفعل بك، هذا يعتبر سحتًا وحرامًا، وهكذا أيضا ابنته أو أخته أو نحو ذلك ولو كان فقيرًا.
يفعل ذلك كثير ممن قلت ديانتهم وممن يرون إباحة ذلك والعياذ بالله، كما في الدول المستعمرة، مع أنهم قد يتسمون بالإسلام، دول تحكم القانون فتبيح للمرأة أن تبذل نفسها باختيارها، وإذا بذلت نفسها باختيارها فلا عقوبة عليها، وقد يبذلها ولي أمرها برضاه إذا رأى مثلًا من عنده مال سلمه ابنته وقال: افعل بها فإنني قد سمحت وأعطها كذا وكذا. هذا يعتبر سحتًا.
يقول الله تعالى: وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ؛ إذا كانت مكرهة فالمكرهة يسقط عنها الحد، إذا أكرهت امرأة على الزنا وهددها الرجل أن تمكن نفسها أو يقتلها أو يضربها ضربًا مبرحًا وشديدًا، ففعل بها أكرهت بغير رضاها؛ فلا عقوبة عليها؛ لأنها غير مختارة ولا موافقة، يسقط عنها الحد سواء كانت مزوجة أو كانت بكرًا، وأما إذا كانت مختارة؛ فإن عليها الحد الذي ذكر في أول هذه السورة.
فالحاصل أن الله تعالى عذر المكرهة: وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ من أكره امرأة على أن يفعل بها، أو أكره ابنته على أن تزني حتى تجمع مالًا وألجأها وهددها بقتل ولم تجد بدًا وخافت على نفسها؛ فإنها معذورة والله يغفر لها إذا كانت غير موافقة ولا راضية.
وأما مع الاختيار فإن الله توعد على ذلك بالعقوبة الشديدة في الدنيا وفي الآخرة: وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ هذه من الآيات التي تتعلق بالأحكام.
وفي هذه السورة أيضًا آيات تتعلق بالأحكام تقدمت كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وكقوله تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وفي آخر السورة قول الله تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ونحوها من الآيات، وتفسير ما ذكر كاف إن شاء الله، والله أعلم.