الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
40562 مشاهدة
17- إثبات صفة العزة لله تعالى

[وقوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8]. وقوله عن إبليس: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 82]. ].


الشرح
* قوله: (وقوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ).
في هذه الآيات التي ساقها المؤلف -رحمه الله- إثبات صفة العزة لله عز وجل.
*الآية الأولى: قوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ رد على المنافق الذي قال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فرد الله عليه بقوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ .
العزة: الغلبة والقوة والمنعة، وكمال القدرة، فأخبر الله -سبحانه- بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، هو العزيز الذي يعز رسله، وهو الذي ينصرهم، وهو الذي يعز عباده المؤمنين، وهو الذي يقويهم، فالعزة صفة ذاتية له؛ لأنها من الصفات الملازمة للموصوف.
* الآية الثانية: حكى الله عن إبليس في سورة ص أنه أقسم بالعزة، فقال: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ دل على أن الله موصوف بالعزة، وذكر أن أسماء الله تدل على صفاته، وقد تكرر اسم العزيز في القرآن، في مثل قوله سبحانه: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 62]. إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [العنكبوت: 26]. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [إبراهيم: 4]. فسمى الله نفسه العزيز في هذه الآيات، وكذلك ذكره بلفظ الفعل في قوله: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران: 26]. وكذلك بلفظ اسم الفعل كما في هذه الآية: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ .
ويدل هذا أيضا على جواز الحلف بصفات الله؛ لأن الحلف بها حلف بالمتصف بها، ويجوز أن تسأل الله بصفته، فتقول: أسألك بعزتك التي لا ترام، ويجوز أن تحلف بها، فتقول: وعزة ربي كذا وكذا.
ولا يجوز الحلف بعزة المخلوق، فإن ذلك تعظيم لذلك المخلوق، كما حلف سحرة فرعون لما فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشعراء: 44]. فأقسموا بعزته، فهذا تعظيم لذلك المخلوق.
مسألة: بعض العوام يحلف فيقول: ورب العزة فهل هذا يجوز؟
الجواب: يجوز ذلك لأن الله قد أثبت ذلك، فقال تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 180]. فيجوز أن تجعل العزة صفة لله، وهي مشتقة من اسمه العزيز، ويجوز أن تضيفها إلى ربوبية الله، فتقول: رب العزة يعني: مالك القوة، والقدرة والاستطاعة كلها مربوبة لله، كما قال تعالى: رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 180]. فإذا قلت: وعزة الله، فيكون مرادك الصفة التي هي من صفاته، فعزة الله يعني: صفة العزة التي له.
وإذا قلت: ورب العزة فيكون مرادك ما خلقه من العزة في المخلوقات ونحوها.