لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
40600 مشاهدة
6- إثبات صفتي المشيئة والإرادة

[وقوله: وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف: 39]. وقوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة: 253]. وقوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1]. وقوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام: 125]. ] .


الشرح
* قوله: (وقوله: وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ ).
هذه الآيات تدل على إثبات صفتي المشيئة والإرادة، فقد وصف الله تعالى نفسه بأنه يشاء، وبأنه يريد كما في هذه الآيات: قوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وقوله: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ وقوله: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ والمشيئة والإرادة متقاربان، إلا أن الإرادة تنقسم إلى قسمين:
الأول: إرادة شرعية دينية.
الثاني: إرادة كونية قدرية.
فالإرادة الشرعية هي التي تتعلق بالمأمورات، وبما يحبه الله ويرضاه، فإن الله تعالى أراد من عباده شرعا أن يطيعوه ويوحدوه ويفعلوا ما يحبه ويرضاه، أراد منهم شرعا أن يؤمنوا به وأن يعبدوه حق عبادته، وأراد منهم شرعا أن يصلوا ويزكوا ويصوموا ويحجوا و... و... إلخ. هذه إرادة شرعية.
وأما الإرادة الكونية القدرية فهي أنه -سبحانه- أراد كل ما حدث ويحدث في الوجود، فكل ما في الوجود فهو داخل في إرادته الكونية القدرية، حيث لا يخرج شيء عن إرادته.
فالإرادة الكونية عامة لكل ما هو حادث من خير أو شر، من معصية أو طاعة، من مصيبة ونقمة، أو نعمة ورخاء، فإن الله سبحانه هو الذي كتبها وأرادها، ولو شاء ما حصلت، قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:112]. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 29]. وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [المدثر: 56]. فلا يذكرون شيئا إلا وقد أرداه الله وقدره، إرادة كونية قدرية، فهذه الإرادة عامة ويراد بها المشيئة.
والإرادة الشرعية خاصة كما في قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النساء: 26]. وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء: 27]. وقد تجتمع هاتان الإرادتان في إيمان المؤمنين وطاعة الطائعين؛ لأن ذلك يكون عن إرادة كونية قدرية، ثم عن إرادة شرعية دينية.
وأما كفر الكافرين ومعصية العاصين، فهي إرادة كونية قدرية وليست شرعية دينية؛ لأنها ليست مما يحبه الله ويرضاه، بل أراده سبحانه لحكم عظيمة قد ندركها وقد لا ندركها.
فإذا فهمنا ذلك الفهم سلمنا من تحريف بعض النصوص أو تعطيلها.