لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
34015 مشاهدة
باب الفهم في العلم


باب الفهم في العلم.
حدثنا علي حدثنا سفيان قال: قال لي ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فلم أسمعه يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إلا حديثا واحدا قال: كنا عند النبي –صلى الله عليه وسلم- فأتي بجمار فقال: إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم. فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكت. قال النبي –صلى الله عليه وسلم- هي النخلة .


سبق هذا الحديث، أورده هاهنا للدلالة على تورع الصحابة عن كثرة الحديث؛ مخافة أن يقعوا في خطأ، وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من الكذب عليه في أحاديث كثيرة ذكرها أو بعضها البخاري في هذا الكتاب؛ فلذلك كان كثيرون يتورعون من كثرة الأحاديث؛ مخافة أن يخطئ في كلمة أو يزيد أو ينقص أو ما أشبه ذلك، وهذا من الورع وإلا فإنهم قد يحدثون بأحاديث يذكرونها بالمعنى، لا باللفظ يعني: يحفظون المعنى الذي سمعوه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيؤدونه بقريب من اللفظ لا باللفظ وحده؛ لئلا يكتموا العلم ولينفعوا الأمة، ومع ذلك لا يكونون كاذبين؛ لأنهم حدثوا بما أو بقريب مما سمعوه.
ففي هذا أن ابن عمر -رضي الله عنه- في هذا السفر الطويل من المدينة إلى مكة ما حدث بحديث مرفوع، كان حديثه مواعظ وتعليم وإرشادات، وما أشبه ذلك غير هذا الحديث في قصة النخلة وكونها مثلها كمثل المؤمن كما سبق.