اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
34050 مشاهدة
الإيمان يأرز إلى المدينة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب: الإيمان يأرز إلى المدينة .
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها .


هكذا جاء هذا الحديث في فضل المدينة يأرز: يعني يرجع إلى المدينة الإيمان الصحيح يأرز يعني: لو ذهب فإنه يرجع، كما تأرز الحية إلى جحرها. الحية تذهب بعيدا ثم ترجع وتدخل في جحرها، فكذلك الإيمان، لو قدر مثلا أنه خرج من المدينة أناس من أهل الإيمان فلا بد أن يرجع بدلهم، وهذا تزكية لأهل المدينة والمراد بهم الحاملون حقا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم أي: لا بد أن يكون فيها علماء، وأن يكون فيها مؤمنون، وأن يكون فيها أتقياء وعباد وصالحون، ولا تخلو في وقت من الأوقات من أن يكون فيها من يدعو إلى الله ومن يعلم الشريعة ومن يعلم الدين.. وهكذا.
ومن تتبع أخبارها وجد الأمر كذلك من العهد النبوي إلى هذا الزمان، أن المدينة لها مزية في أن أهلها فيهم علماء وفيهم عباد وفيهم زهاد، ولا ينفي أن يوجد فيهم منافقون وعصاة ونحوهم ولذلك قال الله تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ فدل على أنه يوجد في المدينة منافقون، يوجد فيها روافض، يوجد فيها عصاة، يوجد فيها مذنبون، ولكن هناك فيها علماء وزهاد وعباد وأهل العبادة وأهل العلم، وفيها المسجد النبوي الذي تشد إليه الرحال، وهو ثاني المساجد التي تشد إليها الرحال، الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام .
وفيها أيضا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، وقبور الصحابة في البقيع وقبور الشهداء، وفيها مسجد قباء الذي أنزل الله فيه قوله تعالى: لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا نزلت في رجال بمسجد قباء وبكل حال فالمدينة لها مزية وشرف؛ ولذلك فضلها الله بأن جعلها مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وليست أفضل من مكة ؛ لأن مكة هي قبلة المسلمين القبلة التي يتوجه إليها المسلمون.
أما الحديث الذي يرويه بعض الصوفية أو النساك ونحوهم الذي فيه: (اللهم كما أخرجتني من أحب البلاد إلي فأسكني في أحب البلاد إليك). فهذا لم يثبت، حديث ضعيف، ولا شك أن كلا مكة والمدينة من أفضل البلاد، حرم الله تعالى مكة وحرمها إبراهيم وحرم النبي صلى الله عليه وسلم كذلك المدينة وجعلها حرما يحرم فيها القتال، ويحرم فيها قطع الشجر وما أشبهه.