اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
53924 مشاهدة
صور من جوده صلى الله عليه وسلم

...............................................................................


الشاهد من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيه الملك في رمضان في كل ليلة وكان يدارسه القرآن، وكان في كل ليلة يستمع له، يقرأ ثلث القرآن أو ربعه أو عُشره أو نحو ذلك في كل ليلة، وهكذا في الليلة الأخرى، ثم اكتسب الجود والكرم من إتيان الملك له كل ليلة، وكذلك من قراءته لهذا القرآن، فكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فاتصف بهذا الجود.
الجود هو كثرة العطاء وكثرة الإنفاق وكثرة الصدقة، وهذه من صفته صلى الله عليه وسلم أنه لا يُسْأل شيئًا إلا أعطاه، وأنه يعطي عطاء تعجز عنه ملوك الدنيا، حتى قيل أنه أعطى رجلًا غنمًا بين جبلين؛ يعني غنمًا كثيرة، وذلك في بعض الغزوات التي غنموا فيها أغنامًا كثيرًا، وأن ذلك الرجل ذهب إلى قومه وقال: يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
ولما كان في قسمة غنائم حنين وقف لهم وصار يعطي هذا وهذا، فمن كثرتهم اضطروه وهو على بعيره إلى أن مر تحت شجرة فاختطفت الشجرة رداءه، فقال: ردوا علي ردائي، لو كان لي مثل هذه العضاة نعمًا لفرقتها بينكم، ثم لا تجدوني بخيلًا ولا جبانا فدل على أنه كان لا يدخر لنفسه شيئا، كان يعيش في أهله عيشة الفقراء؛ بحيث يمر عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيوته نار، وإنما يعيش هو وأهله على الأسودين التمر والماء، ومع ذلك يعطي هذا العطاء الكثير.
ولما انتشر الإسلام كان يرسل إلى البحرين وإلى قرى هجر الأحساء والقطيف والبحرين وتلك البلاد وكان أهلها مجوسًا، وكانوا قد التزموا بأداء الجزية، فيرسل إليهم من يأتيه بجزيتهم، فجاء أبو هريرة مرة ومعه تسعون ألف درهم، استغرب النبي صلى الله عليه وسلم هذا العدد، ولكن يقول لما أنه أصبح أمر بأن يبسط ثوب وأن يصب ذلك المال عليه، وكل من جاءه حفن له حفنات بغير عدد، وما قام من مجلسه حتى فرق ذلك المال كله، لم يدخر لنفسه منه شيئًا، مما يدل على أنه مما جبله الله تعالى على الكرم والجود.
وهذا الحديث أورده ابن رجب في لطائف المعارف وشرحه، واستدل به على فضل الجود في شهر رمضان، وكثرة الإنفاق سيما في شهر رمضان الذي ينشغل الناس فيه بالصيام عن التكسب فيحتاجون إلى الإنفاق عليهم والصدقة والصلة والتوسعة عليهم، وأورد أدلة في ذلك، وذكر أن صفته صلى الله عليه وسلم الكرم والجود، وأنه أكرم من غيره، وأورد أبياتًا في مدح رجل من العرب بالكرم والجود يقال له معن بن زائدة يقول فيه بعض الشعراء:
يــقولون معن لا زكاة لماله
وكيف يزكي المال من هو باذله
تعود بسط الكف حتى لو انه
ثناها لقبض لم تجبه أناملـه
تـراه إذا ما جئته متهـللا
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والجود ساحله
ولو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله سـائله
فيقول: إن هذا الوصف لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان الشعراء يبالغون في وصف من يمدحونه من الأجواد رجاء أن يعطوا من ذلك المال، فالنبي صلى الله عليه وسلم جبله الله تعالى على الكرم والجود.
في حديث أبي ذر يقول: كنت أسير مع النبي صلى الله عليه وسلم في آخر النهار، فقال يا أبا ذر هل ترى أُحدًا ؟ قلت: نعم. يقول: التفت إلى الشمس وظننت أنه يرسلني إليه. فقال: ما يسرني أن لي مثل أُحُد ذهبًا يأتي علي ثلاث ليال وعندي منه دينار واحد إلا دينارًا أرصده لدين؛ بل أقول به في عباد الله هكذا وهكذا ؛ يعني أفرقه فيهم، هذا من جوده صلى الله عليه وسلم.
فالشاهد من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يتلقى الوحي؛ يتلقاه، وأن الملك ملك الوحي كان يعرض القرآن عليه، وكان يتجدد كل ما نزل قرآن جديد كان يثبته.