الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
53905 مشاهدة
النية تفرق بين العادات والعبادات

...............................................................................


والحديث إنما جاء بها كمثال، وإلا فالأعمال كثيرة، فلذلك توسع العلماء في شرح هذا الحديث في قوله: إنما الأعمال بالنيات وقالوا: إن النية الصالحة يكون فيها أجر أكثر من النية غير الصالحة، وأن الإنسان يثاب على عمله إذا نوى به القربة إلى الله تعالى، وإن النية هي التي تعتبر بها الأعمال فيكون قوله: إنما الأعمال بالنيات يعني صلاح الأعمال أو فسادها يكون معتبرًا بالنية ، وكذلك أيضًا التمييز بين العادات والعبادات إنما يكون بالنية؛ وذلك لأن هناك أعمال صالحة لا بد فيها من النية.
تذكرون أن الصلاة من شروطها النية، والطهارة من شروطها النية، والصيام لا بد فيه من النية، وكذلك الطواف والسعي والإحرام وسائر العبادات لا بد فيها من النية، فمثلًا لو أن إنسانًا عليه حدث أصغر وقام من النوم وغسل يديه، وغسل وجهه، ونظف فمه وأنفه ليكون بذلك نشيطًا، وغسل أعضاءه كيديه ورجليه وقال: أريد النشاط، وأريد أن يذهب عني الكسل والتثاقل، هل يرتفع حدثه؟ هل يصلي بهذا الغسل؟ لا يصلي به؛ لأنه ما نوى أن هذا رفع للحدث، وإنما نوى رفعًا للكسل، أو رفعًا للعجز والنعاس أو ما أشبه ذلك.
فالوضوء لا بد له من النية، وكذلك لو كنت مثلًا محدثًا وقد نسيت حدثك وجاء إنسان وقال: علمني الوضوء. فأخذت تقول: اغترف الماء وقل هكذا، غسلت وجهك، ثم اغترف واغسل يدك، ثم اغترف واغسل يدك، ثم امسح برأسك هكذا، ثم اغسل قدميك تريد أن تعلمه، فمثل هذا لا يرفع حدثك؛ لأنك تريد تعليمه، لا تريد رفع الحدث عن نفسك.
وهكذا مثلًا لو جاء إنسان جاهل بالصلاة وأخذت تعلمه، فقلت مثلًا: استقبل القبلة هكذا وكبر قل: الله أكبر، ثم أخذت تصف له الصلاة من أولها إلى آخرها، فمثل هذا أيضًا لا تجزئك صلاتك عن فريضة عليك، وإنما فعلت ذلك لتعليم غيرك، فلا يكون بذلك هذا الفعل عبادة إنما قصدت بذلك التعليم.
قالوا ثم إن النية هي التي تفرق بين العادات والعبادات، العادات التي يفعلها الإنسان بحكم العادة، والعبادات التي يحتسب بها الأجر عند الله تعالى، فمثل هذا لا بد فيه من النية، فمثلًا إنسان يترك الطعام عادة من باب الحمية، أو أن الأكل يشق عليه أو يثقله، يترك الأكل نهاره كله من صباحه إلى مسائه، هل يكون له أجر الصائم؟ ليس له؛ لأنه ما تركه إلا حمية مثلاً، ما تركه لأجل أجر الصيام؛ فلا يكون والحال هذه صائمًا، ولا يجزيه تركه عن صيام كان عليه مثلًا، بخلاف ما إذا تركه لأجل النية لنية الصيام؛ ولذلك جاء في الحديث: من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له يعني الفريضة لا بد أنه ينويها من الليل.