إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
محاضرة في بني زيدان
2752 مشاهدة
التحذير من تزكية النفس والاتكال على العمل

ومع ذلك كله فإن علينا ألا نزكي أنفسنا، ولا نتمدح بأعمالنا؛ بل علينا أن نحتقر الأعمال التي عملناها، ولو بلغت ما بلغت. الله سبحانه وتعالى قد نهانا عن التزكية للأنفس، قال تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ومعنى التزكية كون الإنسان يمدح نفسه.
يمدح نفسه بأنه من الذين أطاعوا، ومن الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرا، فإذا نصح عن بعض الخلل وبعض التقصير أخذ يمدح نفسه، وأخذ يذكر أعمالا يعملها، ويقول: أنا خير من فلان، وأنا خير من هؤلاء وأنا خير من الذين لا يصلون ولا يزكون ولا ولا؛ فنقول له: لا تمدح نفسك فربك أعلم بمن اهتدى. يقول الله: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى .
بل إن عليك أن تحتقر أعمالك، ولو بلغت ما بلغت. ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ؛ وذلك لأن نعم الله تعالى كثيرة على عباده، ولو أخذهم بعدم شكرها لقصرت أعمالهم عن شكر أصغر نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى عليهم.
ورد في بعض الآثار: أنه يؤتى برجل قد عمل من الحسنات أمثال الجبال، فيقول الله تعالى: أدخلوه الجنة برحمتي، فيقول: يا ربي، ألا أدخلها بهذه الأعمال، فيقول الله: حاسبوا عبدي على نعمي. فيقول الله لنعمة البصر: خذي حقك من أعماله، ولنعمة السمع: خذي حقك من أعماله، لنعمة العقل: خذي حقك؛ فتأخذ أعماله ولا يبقى له شيء فيقول الله: أدخلوه النار. فيقول: لا يا ربي، بل أدخلني الجنة برحمتك ؛ فعلم أن أعمالنا وإن كثرت فإنها قليلة بالنسبة إلى نعم الله سبحانه، وبالنسبة إلى حق الله على عباده.
ورد أن الملائكة الذين خلقوا لعبادة الله، منهم من هو ساجد منذ أن خلقه الله إلى أن تقوم الساعة، ومنهم من هو راكع إلى أن تقوم الساعة. وإذا قامت القيامة وشاهدوا عظمة ربهم، قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. وذلك لأنهم يحتقرون أعمالهم، ولو بلغت ما بلغت.
إذا رأوا نعم الله، وإذا رأوا عظمة ربهم وجلاله وكبرياءه؛ عرفوا أنه أحق أن يعبد وأن يحمد ويشكر وأن يثنى عليه، وأن يطاع ولا يعصى، وأن يعمل له كل الأعمال الصالحة؛ لذلك لا يقول الإنسان: أنا خير من فلان، أو أنا مطيع، أو أنا أصلي وأصوم أو أنا أقرأ وأذكر الله -فإن في هذا تزكية وإنما يحمد ربه ويقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ويقول: إننا لو عملنا ما عملنا فإن أعمالنا قليلة بالنسبة إلى ما يستحقه ربنا تعالى.
كان بعض السلف قد بلغ منه الوله والتعبد مبلغا كبيرا وأنشد يوما فقال:
سـبحان مـن لو سجدنا بالعيون له
على حمى الشوك والمحمى من الإبر
لـم نبلـغ العشر من معشار نعمته
ولا العشـير ولا عشـرا من العشر
هكذا يمثل أنه لو سجد طوال حياته بعينيه على حمى الشوك وعلى الإبر المحماة -لم يبلغ عشر معشار نعمة الله عليه؛ وما ذاك إلا لكثرة نعم الله، ولعظم حقه على عباده؛ فإنه سبحانه أهلا أن يعبد وأنه يصلى له ويسجد. ورد في بعض الآثار: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته أكثر أو خيرا لهم من أعمالهم .
وتذكرون الحديث القدسي أن الله تعالى أخبر بأنه غني عن عباده؛ فيقول: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد -ما زاد ذلك في ملكي شيئا. ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد -ما نقص ذلك من ملكي شيئا وإذا كان كذلك فإن ربنا سبحانه غني عن عباده وإنما أمرهم ونهاهم ليبتليهم؛ يقول بعض العلماء في قول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أي لآمرهم وأنهاهم، وإلا فإنه غني عن عبادة العباد، لا تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي بل هو النافع الضار.