تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
لقاء مفتوح مع الشيخ
4829 مشاهدة
تحصيل العلم والرحلة إليه

ثم نقول بعد ذلك: إن طلب العلم يحتاج إلى جهد، ويحتاج إلى مواصلة؛ مواصلة تعلم، ولا يكفي أن يتعلم وقتا قصيرا ثم ينقطع عن الطلب؛ فيكون بذلك معرضا علمه للنسيان؛ يذهب علمه من ذاكرته بدل ما تعب عليه؛ بل لا بد من ملازمة العلم زمنا طويلا.
لقد كان السلف -رحمهم الله تعالى- يلازمون العلم حتى يقول بعضهم: اطلب العلم من المهد إلى اللحد؛ أي: لا تنقطع عنه وقتا من الأوقات؛ بل عليك أن تواصل الطلب إلى أن يأتيك أجلك، ويقول بعضهم: من المحبرة إلى المقبرة. المحبرة الدواة التي يكتب بها الفوائد. لا شك أن هذا دليل على اهتمامهم -رحمهم الله– بالعلم؛ حيث يقولون: إن العلم ليس له منتهى، وإن طالب العلم لا يقف عند حد؛ بل يواصل الطلب، فكلما تزود علما انفتحت عليه أبواب أخرى تحتاج إلى أن يتعلمها؛ هكذا يكون طالب العلم لا ينتهي عند حد.
وأُثِرَ عن الإمام الشافعي -رحمه الله- فائدة في طلب العلم؛ رأيتها مكتوبة؛ لا أدري من أي كتاب نقلت، وسمعتها من عدد من المشائخ؛ يقول: (العلم بقي اللزام، بعيد المرام، لا يدرك بالسهام، ولا يرى في المنام، ولا يورث عن الآباء والأعمام؛ إنما هو شجرة لا تصلح إلا بالغرس، ولا تغرس إلا في النفس، ولا تسقى إلا بالدرس، ولا يحصل إلا لمن أنفق العينين، وجثا على الركبتين، ولا يحصل إلا بالاستناد إلى الحجر، وافتراش المدر وقلة النوم، وصلة الليل باليوم. انظر إلى من شغل نهاره بالجمع وليله بالجماع؛ أيخرج من ذلك فقيها؛ كلا -والله- حتى يعتضد الدفاتر، ويستحصل المحابر، ويقطع القفار، ولا يفصل في طلبه بين الليل والنهار).
هكذا أثرت هذه الفائدة عن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يمثل بها العلم الذي قام به، والعلم الذي أوصى به تلامذته، وهو أنهم كانوا يجتهدون في التعلم؛ فيقطعون القفار؛ أي: المسافات الطويلة؛ حتى يغيب أحدهم عن أهله أشهرا أو سنوات.
فقد كان الإمام أحمد -رحمه الله- يسافر مسيرة نحو أربعة أشهر؛ يغيب عن أهله للتزود من العلم، وكذلك كثير منهم غابوا سنوات، وفتح الله تعالى عليهم ورزقهم. لا شك أن هذا دليل على أن العلم ليس سهل التناول؛ لا يتناول بالراحة؛ بل لا بد أن يجد فيه ويجتهد؛ حتى يقطع القفار، ويستحصل المحابر، يعتضد الدفاتر؛ الدفاتر التي يكتب فيها؛ أي: يجعلها تحت عضده، وكذلك المحابر التي فيها الحبر؛ يعني: الدواة التي يكتب منها، وكذلك ينفق العينين؛ ينفق عينيه في القراءة، وينفق العينين يعني: الذهب والفضة؛ ينفقها في طلب العلم؛ بحيث إنه يسافر لطلب العلم، ولو أنفق ما أنفق، وكذلك أيضا يسهر في طلب العلم، ومتى كان كذلك فإن الله تعالى يرزقه علما، ويفتح عليه.
وهكذا كان كثير من العلماء يأخذون العلم عن المشائخ، ولو شق ذلك عليهم، ولو قطعوا مسافات طويلة، ولو غابوا عن أهليهم؛ مذكور ذلك في تراجمهم.
انظروا في ترجمة البخاري كم مرة سافر لأجل أن يتحمل العلم؟! وهكذا أيضا أبو حاتم الرازي كم سافر في طلب العلم، وفي تلقيه! وهكذا أبو زرعة الرازي ونحوهم من طلبة العلم؛ سافروا، وقطعوا مسافات؛ لأجل أن يحصلوا على العلم.