تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
shape
لقاء مفتوح مع الشيخ
8098 مشاهدة print word pdf
line-top
تحصيل العلم والرحلة إليه

ثم نقول بعد ذلك: إن طلب العلم يحتاج إلى جهد، ويحتاج إلى مواصلة؛ مواصلة تعلم، ولا يكفي أن يتعلم وقتا قصيرا ثم ينقطع عن الطلب؛ فيكون بذلك معرضا علمه للنسيان؛ يذهب علمه من ذاكرته بدل ما تعب عليه؛ بل لا بد من ملازمة العلم زمنا طويلا.
لقد كان السلف -رحمهم الله تعالى- يلازمون العلم حتى يقول بعضهم: اطلب العلم من المهد إلى اللحد؛ أي: لا تنقطع عنه وقتا من الأوقات؛ بل عليك أن تواصل الطلب إلى أن يأتيك أجلك، ويقول بعضهم: من المحبرة إلى المقبرة. المحبرة الدواة التي يكتب بها الفوائد. لا شك أن هذا دليل على اهتمامهم -رحمهم الله– بالعلم؛ حيث يقولون: إن العلم ليس له منتهى، وإن طالب العلم لا يقف عند حد؛ بل يواصل الطلب، فكلما تزود علما انفتحت عليه أبواب أخرى تحتاج إلى أن يتعلمها؛ هكذا يكون طالب العلم لا ينتهي عند حد.
وأُثِرَ عن الإمام الشافعي -رحمه الله- فائدة في طلب العلم؛ رأيتها مكتوبة؛ لا أدري من أي كتاب نقلت، وسمعتها من عدد من المشائخ؛ يقول: (العلم بقي اللزام، بعيد المرام، لا يدرك بالسهام، ولا يرى في المنام، ولا يورث عن الآباء والأعمام؛ إنما هو شجرة لا تصلح إلا بالغرس، ولا تغرس إلا في النفس، ولا تسقى إلا بالدرس، ولا يحصل إلا لمن أنفق العينين، وجثا على الركبتين، ولا يحصل إلا بالاستناد إلى الحجر، وافتراش المدر وقلة النوم، وصلة الليل باليوم. انظر إلى من شغل نهاره بالجمع وليله بالجماع؛ أيخرج من ذلك فقيها؛ كلا -والله- حتى يعتضد الدفاتر، ويستحصل المحابر، ويقطع القفار، ولا يفصل في طلبه بين الليل والنهار).
هكذا أثرت هذه الفائدة عن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يمثل بها العلم الذي قام به، والعلم الذي أوصى به تلامذته، وهو أنهم كانوا يجتهدون في التعلم؛ فيقطعون القفار؛ أي: المسافات الطويلة؛ حتى يغيب أحدهم عن أهله أشهرا أو سنوات.
فقد كان الإمام أحمد -رحمه الله- يسافر مسيرة نحو أربعة أشهر؛ يغيب عن أهله للتزود من العلم، وكذلك كثير منهم غابوا سنوات، وفتح الله تعالى عليهم ورزقهم. لا شك أن هذا دليل على أن العلم ليس سهل التناول؛ لا يتناول بالراحة؛ بل لا بد أن يجد فيه ويجتهد؛ حتى يقطع القفار، ويستحصل المحابر، يعتضد الدفاتر؛ الدفاتر التي يكتب فيها؛ أي: يجعلها تحت عضده، وكذلك المحابر التي فيها الحبر؛ يعني: الدواة التي يكتب منها، وكذلك ينفق العينين؛ ينفق عينيه في القراءة، وينفق العينين يعني: الذهب والفضة؛ ينفقها في طلب العلم؛ بحيث إنه يسافر لطلب العلم، ولو أنفق ما أنفق، وكذلك أيضا يسهر في طلب العلم، ومتى كان كذلك فإن الله تعالى يرزقه علما، ويفتح عليه.
وهكذا كان كثير من العلماء يأخذون العلم عن المشائخ، ولو شق ذلك عليهم، ولو قطعوا مسافات طويلة، ولو غابوا عن أهليهم؛ مذكور ذلك في تراجمهم.
انظروا في ترجمة البخاري كم مرة سافر لأجل أن يتحمل العلم؟! وهكذا أيضا أبو حاتم الرازي كم سافر في طلب العلم، وفي تلقيه! وهكذا أبو زرعة الرازي ونحوهم من طلبة العلم؛ سافروا، وقطعوا مسافات؛ لأجل أن يحصلوا على العلم.

line-bottom