إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح أحاديث من كتاب النكاح من صحيح البخاري
9410 مشاهدة
باب قول الله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ

باب قول الله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وقال ابن عباس الدخول والمسيس واللماس هو الجماع، ومن قال: بنات ولدها من بناته في التحريم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأم حبيبة لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن وكذلك حلائل ولد الأبناء هن حلائل الأبناء، وهل تسمى الربيبة وإن لم تكن في حجره؟ ودفع النبي -صلى الله عليه وسلم- ربيبة له إلى من يكفلها, وسمى النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن ابنته ابنا.
قال أبو عبد الله حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا هشام عن أبيه عن زينب عن أم حبيبة رضي الله عنها أنها قالت: قلت يا رسول الله: هل لك في بنت أبي سفيان؟ قال: فأفعل ماذا؟ قلت تنكح, قال: أتحبين؟ قلت: لست لك بمخلية, وأحب من شركني فيك أختي، قال: إنها لا تحل لي، قلت: بلغني أنك تخطب, قال: ابنة أم سلمة قلت: نعم، فقال: لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي أرضعتني وأباها ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن وقال الليث حدثنا هشام درة بنت أبي سلمة .
قال البخاري باب قوله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ .
قال أبو عبد الله حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير أخبره أن زينب بنت أبي سلمة قد أخبرته أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: انكح أختي بنت أبي سفيان, قال: وتحبين؟ قلت: نعم، لست لك بمخلية وأحب من شاركني في خيرٍ أختي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ذلك لا يحل لي، قلت: يا رسول الله فوالله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة قال: بنت أم سلمة . فقلت: نعم، قال: فوالله لو لم تكن في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة؛ أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن .
قال: باب لا تنكح المرأة على عمتها.
قال أبو عبد الله حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا عاصم عن الشعبي سمع جابرا -رضي الله عنه- أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها وقال داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة .
قال أبو عبد الله حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها .
قال أبو عبد الله حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله قال: أخبرني يونس عن الزهري قال: حدثني قبيصة بن ذؤيب أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها والمرأة على خالتها .
فنرى خالة أبيها بتلك المنزلة لأن عروة قد حدثني عن عائشة قالت: حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب .


قصة أم حبيبة مشهورة، ذكرت أنها عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم- أن ينكح أختها بنت أبي سفيان فعجب من ذلك؛ ذلك لأن المرأة عادة تكره أن يتزوج زوجها عليها، فسألها: هل تحبين ذلك؟ فقالت: أو ذكرت أنها ليست له بمخلية؛ أي لست بمتروكة وحدي لك، فلا بد أن يكون معي غيري، لا تخلى ولا تتخلى لي وحدي، وإذا كان لا بد من شركاء فأختي أحب من يشاركني في الخير، هكذا عللت.
النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرها بأنها لا تحل له؛ لأن الله تعالى قال: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وذلك في حقه وفي حق غيره؛ يعني الجمع حرام بين الأختين، وليس النبي صلى الله عليه وسلم بمخصص بشيء من ذلك.
ثم ذكرت أنها سمعت أنه يريد أن يتزوج درة بنت أبي سلمة وفي رواية زينب ويمكن أن لها اسمان بنت أبي سلمة التي هي بنت زوجته أم سلمة فقال إن لها مانعين:
الأول: أنها ربيبة ...
ثم في الباب الثاني هذه القصة أيضا؛ فكررها لأجل أن المرأة لا تنكح على أختها، وأنه لا يحل له -صلى الله عليه وسلم- الشيء الذي لا يحل لغيره.
الباب الأخير يتعلق بالجمع بين الأقارب، ذكرنا أنه لا يحل الجمع بين هؤلاء الخمس: المرأة وأختها، أو الجمع بين المرأة وبنتها، والمرأة وأختها، والمرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، والمرأة وبنت أخيها، والمرأة وبنت أختها؛ هؤلاء نص الله تعالى على النهي على الجمع بين بعضهن؛ حرم الله أم الزوجة، وحرم بنت الزوجة، وحرم أخت الزوجة، وجاءت السنة بتحريم بنت أخيها، وبتحريم بنت أختها، وبتحريم بنت عمتها، وبتحريم خالتها ويكون الجمع بين هؤلاء السبع لا يجوز.
السنة فصلت سبب تحريم أم الزوجة أنها محرم؛ محرم دائما، ولو طلق زوجته فأمها تبقى محرما له ولو طلقها، كذلك بنت الزوجة محرم له، ولو طلق أمها تبقى محرمة عليه دائما، أما أخت الزوجة فتحريمها مؤقت؛ إنما التحريم بالجمع، وكذلك عمتها وخالتها وبنت أخيها وبنت أختها.
ورد في بعض الروايات: إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ؛ يعني إذا تزوجت أخت زوجتك حصل بينهما قطيعة، وكذلك إذا تزوجت بنت أخيها، أو بنت أختها؛ فغالبا يحصل بينهن منافسة، ويحصل بينهن تهاجر، كما يحصل بين الضرتين، غالبا أنهن كل واحدة تضار الأخرى؛ ولأجل ذلك سمين ضرتين، الضرتان: هما الزوجتان عند رجل واحد، كل واحدة تضار الأخرى، أو أنه يلقى منهن ضررا، كل واحدة تنقل له عن الأخرى، وتتكلم في الأخرى، فإذا كانتا أختين أو واحدة وعمتها، أو واحدة وخالتها، أو بنت أخيها أو بنت أختها فيحصل بينهما مقاطعة.
فالقطيعة للأرحام ذنب كبير؛ قال -صلى الله عليه وسلم- لا يدخل الجنة قاطع ؛ أي قاطع رحم؛ فيكون نكاحه لها سببا في وقوع المقاطعة بينهما.
هذا هو قول الجمهور: أنه يحرم الجمع بين هؤلاء الأقارب، وبعض العلماء لم يقبلوا ذلك، وقالوا: إن هذا زيادة على القرآن، القرآن ما حرم إلا أم الزوجة وبنتها وأختها، وهذه الأحاديث ولو كانت في الصحيح زيادة على القرآن، ونحن نقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أطلعه الله على ما لم يطلع غيره عليه؛ فله أن يحرم بأمر الله تعالى، وهو ما حرم إلا من حرمه الله، ثم إنه بين السبب، وهو أنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ؛ أي تسببتم في قطع الرحم، ولا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم، كما ورد ذلك في حديث: ولا يدخل الجنة قاطع يعني قاطع رحم.

فلو قدر أنهن تراضين وقالت: أبحت لك أن تتزوج بنت أختي، وقالت: بنت الأخت أنا راضية أن أتزوج على عمتي أو على خالتي رضين بذلك؛ فإن رضاهن لا يبيح ما حرمه الله، ولا ما فصله النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه لو قالت: له أبحت لك أن تزوج أختي -كما قالت ذلك أم حبيبة -؛ لم يكن ذلك ناسخا لما نهى عنه بقوله: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ .
النبي صلى الله عليه وسلم نهى أم حبيبة بقوله: لا تعرضن علينا بناتكن ولا أخواتكن ؛ يعني أنه أعلم بمن يحل له ومن لا يحل له؛ ولعل ذلك أيضا بعد أن نهاه الله تعالى أن يتزوج غير نسائه لقوله تعالى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ أي حدد الله أو قصره على هؤلاء النساء التسع اللاتي مات وهن في ذمته، فقال: لا يحل لك أن تتزوج غيرهن.
ولم يثبت أنه طلق إحداهن أو غيرهن، لو قدر أنه طلق فإن الله تعالى قد نهاه أن يتزوج غيرهن.
أما غيره فإنه محدد لهم العدد الذي أباحه الله تعالى وهو الأربع، ومحرم عليهم العدد الذي حرمه الله تعالى.
من المحرمات أيضا قوله تعالى : وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ؛ والمراد بالمحصنات الزوجات الأجانب؛ يعني الزوجات اللاتي أحصن أنفسهن سواء كن زوجات مزوجات أو غيرهن؛ يعني حرمن عليكم.
إلا إذا ملكها ملك يمين؛ إذا سبيت المزوجة؛ جاز وطئها بعد الاستبراء, لما أن الصحابة غنموا نساء لهن أزواج، منهن حامل ومنهن غير حامل؛ قال صلى الله عليه وسلم: لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة ؛ فدل على أنه لا يحل زوجة الغير إلا إذا كانت مملوكة، إذا كانت مزوجة من آخر, ولا يحل أن يتزوجها زوج آخر إلا إذا ملكها ملك يمين.
وكذلك إذا أسلمت وزوجها كافر فإنها تحرم عليه قال تعالى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ أي: الزوجة المسلمة لا يحل بقاؤها في ذمة الكافر إلا إذا أسلم قبل أن تعتد فإنها تبقى على زوجيتها.
وكذلك إذا أسلم الكافر ولم تسلم زوجته؛ فإنه يفرق بينهما إلا إذا أسلمت وهي في العدة؛ أسلمت قبل انتهاء عدتها فتبقى في عصمته وفي ذمته.
حرم الله تعالى نكاح المشركات لقول الله تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ فالمشركة التي هي كافرة وثنية أو بوذية أو قديانية أو هندوسية أو دهرية أو شيوعية؛ يعني كافرة ليست حلالا للمسلم، استثني من ذلك الكتابية؛ لقوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ واشترط في حل المحصنة من أهل الكتاب شرطان:
الأول: الإحصان, والثاني: كونها من أهل الكتاب، والمراد بالمحصنات: العفيفات. فإذا لم تكن عفيفة بل كانت بغية أو خائنة؛ فلا يحل له أن يتزوجها ولو كانت مسلمة.
وكذلك إذا لم تكن متمسكة أو أهلها لم يكونوا متمسكين بكتابهم الذي أنزل عليهم، وإنما يتسمون بدون أي حق في الانتساب؛ لا تحل له. يقع أن كثيرا من الذين يسافرون إلى البلاد الخارجية التي أهلها من النصارى يتزوجون من النصارى.
ونحن نقول: إن هذا غير حلال على الإطلاق:
فأولا: عدم الإحصان؛ قليل أن توجد بكر قد بلغت العشرين أو الثلاثين, قليل من توجد وهي بكر, لا بد أنها قد زنت مرة أو مرارا.
ثانيا: أن تمسكهم بكتابهم التوراة أو الإنجيل إنما هو ظاهر دون الحقيقة، يتسمون بهذا الاسم ولا يصيرون متسمين حقيقة بما يقولونه من أنهم يحكمون أو يحكمون بالتوراة أو بالإنجيل، والله تعالى إنما أباح المحصنات اللاتي من أهل الكتاب حقا.
أما المشركات فقد حرمهن الله بقوله تعالى : وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ؛ أي الكافرة مطلقا لا تمسكوا بعصمتها؛ إذا كان لك زوجة وكفرت وارتدت فلا يحل لك أن تمسكها, بل عليك أن تفارقها فورا؛ لأنها بكفرها وبردتها خرجت من الدين.
فالمرتد لا يحل له إمساك زوجته، إذا ارتد عن الإسلام فرق بينهما، والمرتدة لا تبقى في ذمة زوجها، بل عليه أن يفارقها، والمشركة لا يحل تزوجها، وكذلك بقية الكفار إلا ما استثنى الله، والله أعلم.