إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
56670 مشاهدة
ظهور الجهمية والمعتزلة وموقف السلف منهم

من أمثال رجل يقال له: الجعد بن درهم ظهر في أول القرن الثاني، وقتل على هذه العقيدة أنكر أن الله تعالى موصوف بالمحبة، موصوف بالخلة، وقال: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، وأنكر صفة الكلام وقال: إن الله لا يتكلم؛ فأنكر أن يكون الله كلم موسى تكليما، فعند ذلك أخبر عند أمير في العراق، وهو خالد القسري فقتله في يوم العيد، في يوم عيد الأضحى وقال: هو أضحيتي خطب الناس وقال: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد ثم نزل فذبحه، وفي ذلك يقول ابن القيم -رحمه الله-
ولأجل ذا ضـحى بجعـد خالد
القسري يـوم ذبائـح القربـان
إذ قـال إبـراهيـم ليس خليله
كلا ولا مـوسى الكليـم الـداني
شكر الضحية كـل صاحب سنة
للـه درك مـن أخـي قـربان
وأخذ هذه المقالة عنه الجهم بن صفوان الذي فتن الناس، والذي أظهر هذه المقالة، فأنكر أن يكون الله تعالى على العرش استوى، وأنكر أن يكون الله فوق عباده، وأنكر أن يكون الله متكلما بكلام مسموع، وأنكر صفات الله الفعلية وصفاته الذاتية، وأنكر دلالة أسماء الله تعالى على صفات .
وورثه المعتزلة، ولا يزالون إلى اليوم على هذا المعتقد السيئ؛ ورثوا منه هذه المقالة التي هي من أسوأ المقالات؛ حيث يدعي عدم دلالة الآيات على صفات، وكذلك يدعيه أتباعه قتله سلم بن أحوز -رحمه الله- ولكن بعد أن اشتهرت مقالته، وتمكنت في كثير من الناس، فتمكنت في هؤلاء المعتزلة .
وخرج أيضا منهم بشر بن غياث المريسي الذي نشأ في القرن الثاني، ونشر أيضا هذه العقيدة، وتتلمذ عليه تلميذ يقال له: محمد بن شجاع الثلجي وكتب عقيدته في رسالة فيها تحريف الآيات، وفيها الكذب، وفيها يدعي أن الله عليم بلا علم، وأن الله سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وقدير بلا قدرة، ونحو ذلك من تعطيل الآيات عن دلالاتها، وردَّ عليه العالم المشهور عثمان بن سعيد الدارمي -رحمه الله- ورده موجود اسمه رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد يتبين من رده قول أهل السنة؛ وذلك لأنه أيد كلامه بالأدلة وبالنصوص، ثم إن عثمان -رحمه الله- رد أيضا على الجهمية برسالة أيضا مطبوعة الرد على الجهمية لعثمان الدارمي مما يدل على أن السلف -رحمهم الله- ما سكتوا، وأن كلهم على هذه العقيدة .