من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
شرح سنن الترمذي
38142 مشاهدة
باب ما جاء في خطبة النكاح

باب ما جاء في خطبة النكاح.
قال الترمذي حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبثر بن القاسم عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة، قال: التشهد في الصلاة: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. والتشهد في الحاجة: إن الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، فمن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ويقرأ ثلاث آيات .
قال عبثر ففسره لنا سفيان الثوري اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا قال: وفي الباب عن عدي بن حاتم .
قال أبو عيسى حديث عبد الله حديث حسن رواه الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكلا الحديثين صحيح؛ لأن إسرائيل جمعهما فقال: عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقد قال أهل العلم: إن النكاح جائز بغير خُطبة، وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم، قال الترمذي حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا محمد بن فضيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب.


في هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمهم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة، وقد تقدم التشهد في الصلاة، وهو هذا التشهد الذي هو: التحيات لله.. إلى آخره، وأن محله في آخر الصلاة أو بعد ركعتين إذا كانت الصلاة رباعية أو ثلاثية، هذا التشهد الذي تُختم به الصلاة يسمى التحيات، وقال ابن مسعود إن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمني التشهد كما يعلمني السورة من القرآن وفي رواية: علمني التشهد كفي بين كفيه يعني للاهتمام به.
وأما التشهد للحاجة فهو هذه الخطبة، تسمى خطبة الحاجة، أي يخطب بها عند الحاجة، ويستحب أن يقدمها بين يدي كل أمر له أهميته كخطبة جمعة، وخطبة عيد، وكذلك خطبة عقد النكاح، وخطبة ابتداء كلام، كخطبة ندوة أو خطبة محاضرة أو خطبة درس أو ما أشبه ذلك.
يبدأ بها؛ وذلك أولًا أن فيها الابتداء بحمد الله، وقد ورد في الحديث: كل أمر لا يُبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع وفي رواية باسم الله.
كذلك لا شك أن في هذه الخطبة ثناء على الله تعالى واعتراف به وكذلك دعاء له، فقوله: نستعينه ونستغفره ونتوب إليه هذا دعاء، دعاء بالاستعانة وبالمغفرة وبقبول التوبة، وقوله: من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له هذا اعتراف، اعتراف لله تعالى بأنه المتصرف في خلقه، من الخالق الهادي؟
لا يملك ذلك إلا هو، فهو الذي خلقهم، وهو الذي يهدي من يشاء فضلًا منه، يضل من يشاء عدلًا منه، فمن هداه لن يقدر أحد أن يضله، ومن أضله لن يقدر أحد أن يهديه، فهذا مما اشتملت عليه هذه الخطبة.
واشتملت أيضًا على الشهادتين، ولا شك أن الشهادتين هما عقد نظام التوحيد، وأنهما أصل وأساس، أساس للإيمان وللدخول في الدين، والمقصود من الشهادتين أيضًا معناهما، اعتقاد مدلولهما، واشترطت الشهادتان في كل خطبة.
سمعنا الحديث الثاني الذي ذكره الترمذي كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء الأجذم هو المقطوع، إذا كانت اليد جذماء -يعني مقطوعة الكف إنما بقي منها الذراع والعضد- قل نفعها؛ وذلك لأن النفع يتوقف غالبًا على الكف وما فيها من الأصابع، فإنه الذي يعمل به، فإذا كانت الكف مقطوعة قلَّ نفعها وقلت فائدتها، كذلك الخطبة التي ليس فيها تشهد قليلة الفائدة قليلة الثمرة، هكذا يستدل بهذا الحديث.
وبكل حال يستحب لكل من أراد أن يخطب خطبة نكاح أو خطبة ندوة أو خطبة درس أو نحو ذلك أن يبدأ بهذه الخطبة، وأن يأتي بعدها بثلاث آيات: الآية التي في سورة آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وأول آية في سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا والآية التي في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .
ففي هذه الآيات الأمر بتقوى الله، فيحرص على أن يأتي بهذه الآيات ليذكر السامعين، يذكرهم بتقوى الله، كأنه يوصيهم بتقوى الله -سواء كان الزوجان أو أولياء الزوج أو الحاضرين- يوصيهم بتقوى الله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يذكرهم بأن عليهم تقوى الله، وتقوى الله هي العمل الصالح، أصلها ترك المعاصي وفعل الطاعات، ويفسرها بعضهم بقوله: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله هكذا تُفسَّر .. التقوى، ونظمها بعضهم بقوله:
خـــل الذنـــوب صغيرهــا
وكبـــيرهــا ذاك التقـــى
وكــن كمـــاش فـــوق أر
ض الشـوك يحــذر مـا يـرى
لا تحــــقـرن صغــــيرة
إن الجبـــال مــن الحصـى
وعلى كل حال لو عَقد بدون خطبة لصح عقده، ولكنه ترك الأولى والأفضل.