إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
كلمة مع فتاوى عامة
1819 مشاهدة
كلمة مع فتاوى عامة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثبت في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم– قال: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والفقه: هو الفهم؛ يعني: يرزقه فهما، يفقه في دين الله ما تستنير به بصيرته، ويعرف كيف يعبد ربه، ويعرف الحلال والحرام، ويعرف الواجبات، والمندوبات، والطريقة في تعلم ذلك إما بالقراءة، وإما بالسماع، وإما بالسؤال.
فالقراءة: إن الله تعالى أعطى الإنسان سمعا، وبصرا، وقلبا، ولسانا؛ فبذلك يتوصل إلى التعلم، وإلى السؤال، فبالبصر يقرأ، ويكتب؛ يستفيد من القراءة، والكتابة، والسمع يستمع لما يلقى إليه، ويستفيد مما يسمع؛ يستفيد من الخطب، ومن الدروس، ومن الندوات، ومن المحاضرات، ومن الحلقات، ومن الفوائد التي يستفيدها بسماعه.
القلب هو: الذي يعقل به المعلومات. ميز الله الإنسان بهذا القلب، وجعله به مكلفا؛ عاقلا، فاهما، يميز بين ما ينفعه، وما يضره، يفهم الجواب، ويفهم الكلام، ويعرف مدلوله.
اللسان يستطيع به أن يعبر عما في نفسه؛ فيسأل، ويستفصل، ويستفيد؛ فلهذا تعتبر هذه نعم عظيمة؛ من أكبر نعم الله على الإنسان.
ولذلك يقال: إنما المرء بأصغريه؛ قلبه ولسانه، فإنما المرء بأصغريه؛ ليس برجليه، ولا بيديه، إنما هو: بقلبه، ولسانه، ولذلك يقول بعضهم:
لسـان الفتى نصف, ونصف فـؤاده,
فلـم يبق إلا صـورة اللحم والـدم
وقد أمر الله الجاهل بأن يتعلم، وأمر العالم بأن يعلم، وبذلك يحصل الفقه، ويحصل العلم؛ فالذي ينقصه معرفة حكم يسأل عنه، وإذا لم يسأل، وعمل بغير علم اعتبر ملوما.
في قصة وقعت في العهد النبوي؛ قوم كانوا غزاة من الصحابة. أصيب أحدهم بشجة: ضربة في رأسه ضربة شديدة، فقدر أنه احتلم، وحضر وقت الصلاة، والماء موجود، فسأل أصحابه: هل لي رخصة أن أتيمم؟ فأفتاه من أفتاه: لا رخصة لك؛ الماء موجود‍، فقدر أنه اغتسل، فدخل الماء في الجرح، وكانت تلك المأْمُومَة قد خرقت العظم، ووصل الماء إلى أم الدماغ، ثم تسمم الجرح، ومات.
علم بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم– فقال: قتلوه قتلهم الله؛ ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال ؛ أي: لماذا لم يسألوا؛ ألا سألوا قبل أن يفتوا. فتواهم هذه صارت سببا في موت هذا الرجل، ثم قال: إنما كان يكفيه أن يعصب على جرحه خرقة، ويمسح عليها، ويغسل سائر جسده ؛ يعني: أنه لا يلزمه أن يغسل الجرح الذي في رأسه؛ مما كان سببا في موته، فالشاهد أنه لامهم: ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال، فمن أشكل عليه شيء فعليه أن يسأل من عنده علم. قال الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ؛ أي: تعلموا، واسألوا من عندهم علم إن كنتم لا تعلمون.
كذلك قد أمر الله تعالى أهل العلم بأن يعلموا، ويبينوا ما علمهم الله؛ فكما أنه أخذ الميثاق على الجهلة أن يتعلموا، فقد أخذ الميثاق على العلماء أن يعلموا، ويبينوا، ولا يكتمون ما علمهم الله، كما قال تعالى: وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فهكذا لام الله هؤلاء على أنهم كتموا الحق، وتوعدهم بوعيد شديد، في قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا والمراد بما أنزل الله؛ يكتمون الأحكام، ويكتمون بيان الشريعة التي بينها الله، وأنزلها في الكتاب؛ يعرفون أن الناس محتاجون إلى ذلك، ولا يبينونه.
توعدهم الله بأنه يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ قيل: إن اللاعنين هم: كل الدواب، والحشرات، والطيور، والحيوانات؛ أنها تلعن هؤلاء، وهذا وعيد شديد، وعلى كل حال التكاليف التي جاءت بها الشريعة منها ما هو حق الله، ومنها ما هو حق النفس، ومنها ما هو حق الغير، وكلها واجب عليك أن تتعلمها.
فحق الله توحيده، وطاعته بإخلاص العبادة له، وبالصلاة، وأداء الزكاة، والصوم، والحج، والعمرة، والجهاد، وهذه تحتاج إلى أن تتعلمها؛ فلا يكون الإنسان مؤديا لحق الله إلا إذا تعلم كيف يعبد ربه، وكيف يتطهر، وكيف يصلي، وأنواع الصلوات، والفرق بين النفل والفرض، والفرق بين الأداء والقضاء، وصلاة الجماعة وأحكامها، والجمعة وشروطها، وكذلك ما يتعلق بصلوات النوافل، وما يتصل بها، كل ذلك من حق الله، وهكذا أيضا بقية العبادات لا بد أن يتعلمها.
وأما حق النفس؛ فالإنسان بحاجة إلى المطعم، والمشرب، والملبس، والمسكن، والراحة، والنوم، والنكاح الحلال، وما أشبه ذلك، فلا بد أنه يتعلم؛ يتعلم هذه الأمور، فيعرف كيف يكتسب المال الحلال، وبأي الطرق التي يتوصل بها إلى الكسب، ويعرف الحرف؛ الحرفة المباحة، والممنوعة، والمكروهة، وما أشبه ذلك، وكذلك أيضا يعرف النكاح الحلال، والنكاح الحرام، وشروط هذا وهذا، وعقوبة من أتى الحرام، ويعرف الأشربة المحرمة كالمسكرات، وما أشبهها؛ حتى يتجنبها.
ويعرف أيضا حقوق غيره عليه؛ يعرف أن عليه حقوقا لأبويه؛ بر الأبوين، وكيف يكون برا بوالديه، وكذلك صلة أقاربه؛ أعمامه، وإخوانه، وأولاده، وأخواله، ونحوهم؛ ذكورا، وإناثا، صلتهم، ومتى يكون واصلا، أو قاطعا، وما أشبه ذلك، فهذه لا بد من البحث عنها؛ حتى يكون الإنسان مستفيدا في حياته، وعاملا على بصيرة؛ فنبدأ في سماع الأسئلة، والإجابة عنها بحسب ما يتسع له الوقت.