من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
84311 مشاهدة
إثبات صفة العلم لله تعالى

ذكر بعد ذلك صفة العلم:
وعلمـه بمـا بدا ومـا خـفــي
أحاط علـمـا بـالجلـي والخـفـي
يعني: نؤمن بأن الله -تعالى- بكل شيء عليم، وأنه عالم بكل شيء، وعلمه من ذاته، ليس علمه مخلوقا، كما أنه ليس سمعه ولا بصره مخلوقا، وأنه يعلم كل شيء، لا يخفى عليه من أمر الخلق شيء؛ يعلم عددهم قبل أن يوجدوا، علم عدد الرمل والتراب، وعلم عدد قطرات المطر، وكذلك علم من وُجد ومن سوف يوجد، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن إذا كان كيف يكون، كيف يوجد، علمه سبحانه وتعالى صفة ذاتية لا ينفك عنها، لا تنفك عنه هذه الصفة. وقد أنكر المعتزلة هذه الصفات: صفة السمع، والبصر، والعلم.
وفائدة الإيمان بالعلم: الإيمان بأنه سبحانه وتعالى يعلم أحوال العباد، فيعلم ما تكنه ضمائرهم، يعلم ما في نفوسهم؛ لأنهم خلقه، قال تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ كيف لا يعلم من خلق؟ ويعلم الأمور المستقبلة، قال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ يعلم كل ما في البر: من الدواب، والحشرات، والوحوش، والمخلوقات، ويعلم ما في البحر: من الحيوانات، ومن المخلوقات كلها صغيرها، وكبيرها، يعلم عدد ذلك كله، ويعلم أيضا الأمور الماضية، والمستقبلة، يعلمها قبل أن تحدث.
ذُكر أن أول من أنكر هذه الصفة بالبصرة معبد الجهني فأنكر عليه أهل العلم؛ أنكروا عليه، وذلك لأنه يدعي أن الله لا يعلم الأشياء حتى تحدث، لا يعلم الأمور المستقبلة، ولا يعلم مقاديرها، فرد عليه ابن عمر بقوله: لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما قبله الله منه، حتى يؤمن بالقدر خيره وشره. واستدل بالحديث - حديث عمر المشهور- وفيه قوله: وتؤمن بالقدر خيره وشره فهذا ونحوه دليل على أنه أنكر هذه الصفة، وأن إنكارها يعتبر تنقصا: تنقصا لله سبحانه وتعالى ولا يخفى أن العبد عليه أن يؤمن بصفات الكمال لله.