إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
الحج منافعه وآثاره
10903 مشاهدة
ثالثا : منافع التلبية

أول شيء يبدأ به الحاج -قبل أن يعقد النية- أن يعزم على أن يدخل في النُّسك الذي يريده، فإذا عزم فإنه يعقد النية ويرفع صوته بالتلبية.
فما المنفعة من هذه التلبية؟ ولماذا شرعت عند الإحرام بالعمرة أو بالحج وجُعلت شعارا للحجاج؟
لا شك أن لهذه التلبية منفعة عظيمة؛ ذلك لأنها إجابة لدعوة الله تعالى على لسان إبراهيم -عليه السلام- عندما أمره ربه بهذا النداء بقوله : وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ .
رُوي أنه صعد على جبل أبي قبيس فقال : يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا . فسمعه من هو في أصلاب الرجال, ومن هو في أرحام النساء, فصاروا يأتون قائلين : لبيك, لبيك. أي : نحن مجيبين لدعوتك, ملبين لطلبك, فلا شك أنها إجابة لنداء الله سبحانه وتعالى.
وهذا النداء الذي أمر الله تعالى به, والذي نحن نجيبه بهذه التلبية, لا بد أن يكون له أثر, وهذا الأثر هو أننا نلتزم الإجابة في كل الحالات, ليس في هذه الحالة فقط؛ ذلك لأن الملبي كأنه يعاهد ربه على أن يلتزم بالطاعة مرات متتابعة ولا يخل بها. إذا قال : (لبيك) فمعناها : أنا مجيب لدعوتك, أنا ملازم لطلبك, أنا ملازم لطاعتك, أنا مجيب لك مرة بعد مرة, لا أتخلف عن عبادتك, ولا أتخلف عن طاعتك.
هكذا ذكروا أن هذه فائدة التلبية, ومعناها أن الذي يلبي كأنه يلزم نفسه, كأنه يقول: إني ملتزم بطاعتك يا رب دائما؛ وإذا كان كذلك فلا يجوز له أن يتخلف عن هذه الطاعة ولا يتركها إلى المعصية, فلا يرجع إلى المعصية لأنه عاهد ربه بهذه التلبية, وأجاب ربه بهذه التلبية التي فيها الالتزام, فلا يجوز له أن يتخلف عنها فيما بعد ويترك الطاعة ويجعل بدلها معصية فيكون قد كذب في قوله : لبيك, ولم يصدق فيما التزم به.