القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
الآداب والأخلاق الشرعية
15610 مشاهدة
الأدب الثالث التواضع ولين الجانب

ومن الآداب التي أدّبنا بها الإسلام التواضعُ ولين الجانب؛ فإنه أمر أهله بالتواضع ونهى عن التكبر، والمتواضع هو الذي يُقبِل على الناس إقبالا متساويا بين كبيرهم وصغيرهم، ويسمع من هذا ومن ذاك، ويقبل من هذا ومن هذا، ويلين جانبه لهم، ويسعهم خلُقُه، ويُسفر لهم وجهَه، ويبسط لهم جاهَه ويتواضع لهم من خلقه قلبا وقالبا .
أما المتكبر فإنه ذلك الذي يشمخ بأنفه، ويترفّع بنفسه، ويحتقر من هو دونه كائنا من كان ويزدري الناس ويراهم كأنهم حشرات على وجه الأرض، ولا يرى لغيره عليه حقا ومن آثار تكبره هذا أنه لا يقبل نصحا من أحد، فيدّعي أنه أرفع منهم قدرا وأفضل، فلا يتأثر بإرشاد ولا بموعظة تكبّرا وإعجابا بنفسه.
وهذا لا شك من الأخلاق السيئة، فينبغي للمسلم أن يكون متواضعا للصغير والكبير، لا يرفع نفسه ولا يترفع على أحد مهما كانت مقدرته ومنزلته، فيكون من آثار ذلك أن يقبل من كل من أرشده أو نصحه، ومتى كان كذلك فقد تأدب بأدب حسن من تلك الآداب التي تخلّق بها نبينا عليه السلام، وتخلق بها أصحابه -رضي الله عنهم-.
ولا شك أن من آداب الإسلام التي حرص عليها الإسلام مع التواضع، لينُ الجانب، والنظرُ إلى المسلمين بعين الرحمة والشفقة، ونصحهم وإرشادهم إلى الخير، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل هذا شفقة عليهم من الوقوع في عذاب الله، وهذه كلها من آثار محبته للمسلمين، والشفقة عليهم من مواقعة العذاب.
فإذا تأدبنا بهذا وابتعدنا عما يضاده أصبحنا إخوة، وأمة متماسكة قوية لها معنوياتها ولها مكانتها، وأما إذا تفرقت كلمتنا وتشتتت آراؤنا واستبدّ كل منا برأيه؛ فإن ذلك من أسباب الفرقة وضعف المسلمين، ويكون سببا في تمكين أعدائنا منا؛ الذين يكيدوننا ويتربصون بنا الدوائر.
 والمسلمون إذا اجتمعت كلمتهم وتمسكوا بدين الله كما أمرهم الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [سورة آل عمران، الآية:103]. وتمسكوا بهذا الحبل المتين واجتمعوا على أمره تعالى وأخذ بعضهم ينصح بعضا وتأدبوا جميعا بالآداب الشرعية كان ذلك من الأسباب التي تقوي كلمتهم وتجعلهم أمة متماسكة متكاملة.