أسباب النزول

قولهم: هذه الآية نزلت في كذا لا سيما إذا كان المذكور شخصا، نزلت في كذا، ويراد بذلك يعني نزلت في جنس كذا، لا أنها نزلت في ذلك الشخص، كأسباب النزول المذكورة في التفسير، ذكر هذه الأمثلة كمثال كقولهم: آية الظهار نزلت في امرأة أوس بن الصامت صحيح أن المجادلة التي سمع الله قولها هي امرأة أوس ولكن ليس المراد أن هذا خاص؛ لأن الله قال: { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ } فليس خاصا بتلك المرأة. وآية اللعان نزلت في عويمر العجلاني أو هلال بن أمية وكلاهما حصل منه اللعان، وكلا الحديثين في الصحيح فعويمر العجلاني قيل: إنه هو الذي شك في امرأته، لما نزلت الآيات التي في القذف كقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } { فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فكره النبي صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، ثم رجع إليه وقال إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله تعالى هذه الآيات } كذلك أيضا هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم في سورة التوبة، فإنه أيضا ذكر أنه قذف امرأته بشريك بن السحماء ثم تلاعنا، فكل واحد من المفسرين يقول: نزلت في هلال نزلت في عويمر والمراد أنها نزلت في جنس هذه الواقعة، جنسها لا أنها خاصة بهما. وكذلك آية الكلالة وهي قوله تعالى: { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ } في سورة النساء، كذلك في آخر السورة: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ } وكذلك اتفق الصحابة على أنه من مات وليس له أولاد وليس له أب ولا جد يسمى كلالة، ليس له ذرية ذكور وإناث وليس له أب أو جد، يعني من ليس له فرع وارث وليس له أصل وارث من الذكور، نزلت في جابر لما ذكر أنه لما مرض ولم يكن له إلا أخوات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يولد له أولاد فنزلت الآية. وكذلك قوله تعالى: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } في سورة المائدة، يقول الله تعالى: { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } في هذه الآية تخيير إذا جاءوك يتحاكمون فلك الخيار إما أن تحكم أو تعرض، ولكن قيل: إن هذه الآية نسخت بالآية التي بعدها، وهي هذه الآية: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } الصحيح أن المراد إذا حكمت فاحكم بينهم بما أنزل الله، وتكون كالآية التي قبلها وهي قوله: { وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } بنو قريظة هم طائفة من اليهود، وهم الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نقضوا عهدهم لما جاء الأحزاب، لما قاتلهم قتل رجالهم وسبى نساءهم وذريتهم. بنو النضير قبل ذلك هم الذين جاء إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية قتيلين فَهَمُّوا بما لم ينالوا، وقالوا لأحدهم: اصعد على هذا السطح وألق عليه صخرة حتى تقتله، فأوحى الله إليه بما هموا به { وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } فعند ذلك عرف أنهم نقضوا العهد، فحاصرهم حتى أجلاهم إلى أذرعات الشام ونزل فيهم أول سورة الحشر: { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ } كان بعض السلف كابن عباس يسمونها سورة النضير. وأما قوله: { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } نزلت في غزوة بدر مع أن الآية عامة. وأما قوله: في سورة المائدة: { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } نزلت في قضية تميم الداري وعدي بن بداء في القصة التي ذكرها ابن جرير وغيره في التفسير: أن رجلا من بني سهم من قريش خرج في تجارة له فمات ولم يكن معه إلا هذان، وهما لا يزالان من النصارى تميم وعدي فأوصى إليهما بتركته فخانا فيها، فنزلت الآية. وقول أبي أيوب إن قوله تعالى: { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } في قصة في الصحيح يعني في السنن وهي صحيحة، وذكرها أيضا صاحب البلوغ وغيره أن أبا أيوب لما رأى إنسانا وهم يقاتلون دخل في صف المشركين، فقال الناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال: إنكم تحملونهما على غير محملها، فإنها نزلت فينا معشر الأنصار لما أن الله تعالى نصر نبيه قلنا هلموا فلنترك الجهاد ونقبل على الأموال ونصلحها، فأنزل الله تعالى { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } فسر التهلكة بأنها ترك الجهاد هكذا في هذا الحديث، والآية عامة في كل شيء يسمى تهلكة، والحاصل أن هذا نظائره كثيرة. يفسرون الآية ببعض أمثلتها، مثال ذلك في آية الحج قوله تعالى: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } فسر بعضهم الرفث بأنه الجماع، وفسره بعضهم بأنه الكلام المتعلق بالعورات، وفسره بعضهم بأنه الكلام في النساء، يعني فيما يتعلق بإتيان النساء وفيما يتعلق بالشهوات ونحو ذلك. وكلها داخلة فيها؛ هذا لأن الرفث هو القول السيئ، وإن كان يطلق على الجماع كقوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } ولكن رفث فلان في القول، فالحاصل أن هذا كمثال. والفسوق أيضا أكثروا له من الأمثلة وهي أمثلة، فقال بعضهم: الفسوق مضارة الكاتب والشهيد أخذ منه قوله تعالى: { وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } فجعل هذا فسوقا. ولكن هذا كمثال، وفسره بعضهم بالتنابز وأخذه من قوله: { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ } فجعل هذا هو الفسوق ولكنه كمثال. وفسره بعضهم بأكل المحرمات، وأخذه من قوله تعالى: { ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا } يعني أكل المحرمات { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } إلى قوله: { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ } وهذا أيضا كمثال.